عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10 Mar 2008, 12:34 PM
ابو عبد الله غريب الاثري ابو عبد الله غريب الاثري غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 173
افتراضي

أصحاب الرأي في زمن الإمام ابن قتيبة رحمه الله تعالى:


قال أبو محمد: ((وقد تدبرت رحمك الله مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله مالا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تطرف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والأينية ولو ردوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الأتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعا وقد كان يجب مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحساب والمساح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء وفي نبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد فما بالهم أكثر الناس اختلافا لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين فأبو الهذيل العلاف يخالف النظام،
والنجار يخالفهما،
وهشام بن الحكم يخالفهم،
وكذلك ثمامة ومويس وهاشم الأوقص وعبيد الله بن الحسن وبكر العمى وحفص وقبة وفلان وفلان ليس منهم واحد إلا وله مذهب في الدين يدان برأيه وله عليه تبع!!


قال أبو محمد ولو كان اختلافهم في الفروع والسنن لاتسع لهم العذر عندنا وإن كان لا عذر لهم مع ما يدعونه لأنفسهم كما اتسع لأهل الفقه ووقعت لهم الأسوة بهم ولكن اختلافهم في التوحيد وفي صفات الله تعالى وفي قدرته وفي نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار وعذاب البرزخ وفي اللوح ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى ولن يعدم هذا من رد مثل هذه الأصول إلى استحسانه ونظره وما أوجبه القياس عنده لاختلاف الناس في عقولهم وغفلوا واختياراتهم فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين حتى يكون كل واحد منهما يختار ما يختاره الآخر ويرذل ما يرذله الآخر إلا من جهة التقليد والذي خالف بين مناظرهم وهيئاتهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وخطوطهم وآثارهم حتى فرق القائف بين الأثر والأثر وبين الأنثى والذكر هو الذي خالف بين آرائهم والذي خالف بين الآراء هو الذي أراد الاختلاف لهم ولن تكمل الحكمة والقدرة إلا بخلق الشيء وضده ليعرف كل واحد منهما بصاحبه فالنور يعرف بالظلمة والعلم يعرف بالجهل والخير يعرف بالشر والنفع يعرف بالضر والحلو يعرف بالمر لقول الله تبارك وتعالى ((سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)).

والأزواج: الأضداد والأصناف كالذكر والأنثى واليابس والرطب.

وقال تعالى: ((وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى)).

ولو أردنا رحمك الله أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام ونرغب فيهم لخرجنا من اجتماع إلى تشتت وعن نظام إلى تفرق وعن أنس إلى وحشة وعن اتفاق إلى اختلاف لأن أصحاب الحديث كلهم مجمعون على أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون وعلى أنه خالق الخير والشر وعلى أن القرآن كلام مخلوق وعلى أن الله تعالى يُرى يوم القيامة وعلى تقديم الشيخين وعلى الإيمان بعذاب القبر لا يختلفون في هذه الأصول ومن فارقهم في شيء منها نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه وإنما اختلفوا في اللفظ بالقرآن لغموض وقع في ذلك وكلهم مجمعون على أن القرآن بكل حال مقروءا ومكتوبا ومسموعا غير مخلوق فهذا الإجماع وأما اللإيتساء فبالعلماء المبرزين والفقهاء المتقدمين والعباد المجتهدين الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم)).

انتهى كلامه رحمه الله وقد نقلته بطوله لنفاسته فرحمه الله من إمام وجزاه الله خيرا من ناصح. (تأويل مختلف الحديث ص20-23 دار الكتب العلمية) وراجع هذا الكتاب النّافع ففيه والله الخير الكثير.

رد مع اقتباس