عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12 Dec 2007, 09:51 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الثاني: باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين , فيعرف بأنه: علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد.
فالمراد بقولنا: "الإجمالية" القواعد العامة , مثل قولهم: الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصحة تقتضي النفوذ ؛ فخرج به الأدلة التفصيلية , فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة.
والمراد بقولنا: "وكيفية الاستفادة منها" معرفة كيف يستفيد الأحكام من أدلتها بدراسة أحكام الألفاظ ودلالاتها من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وناسخ ومنسوخ وغير ذلك ؛ فإنَّه بإدراكه يستفيد من أدلة الفقه أحكامها.
والمراد بقولنا: "وحال المستفيد" معرفة حال المستفيد - وهو المجتهد - سمي مستفيداً لأنه يستفيد بنفسه الأحكام من أدلتها لبلوغه مرتبة الاجتهاد ؛ فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه ونحو ذلك يبحث في أصول الفقه.

-----------------------------------------


قوله : " أما الثاني : باعتبار كونه لقبا لهذا الفن المعيَّن "
و الفن المعين هو " أصول الفقه " ؛ و قد سبق لنا ان أول من ألّف فيه الشافعي –رحمه الله- ثم تابعه الناس.

و قوله : " فيعرف بانه : علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية "
هذا واحد

و قوله : "وكيفية الاسفادة " :
هذا الثاني

وقوله : "حال المسفيد":
وهو الثالث .

وقوله : "علم" : خرج به الجهل ؛ فلا يمكن أن يكون الجاهل بأصول الفقه أصوليا .
وقوله : "يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية " : خرج به الفقه ، لأنه يبحث عن الفقه وأدلته التفصيلية ؛ فتجده يبحث في العام : ما هو ، وما حكمه ؛ والخاص: ما هو ، وما حكمه ؛ والمطلق : ما هو ، وما حكمه ؛ والمقيد : ما هو ، و ما حكمه ؛ والناسخ والمنسوخ ؛ و ما أشبه ذلك ؛ فهذه أدلة إجمالية .
المهم أنه ليس يبحث عن شيء معين ؛ بل يبحث عن أدلة العموم ، وما صيغه ، و ما أشبه ذلك.

وقوله : " و كيفية الاستفادة منها " :
وهذا يحصل بتخصيص العام ، وتقييد المطلق ، والجمع بين النصوص المتعارضة ، و ما أشبه ذلك ؛ وهذا كيفية الاستفادة منه لأن "العام " حكمه : العمل بعمومه . إذاً كل جزئية تدخل تحت هذا اللفظ العام أحكمُ لها بحكم اللفظ العام ؛ فهذا كيفية الاستفادة ؛ لأن أصول الفقه ليس يعطيك الأدلة الإجمالية ويسكت ؛ بل يريد أن يُعرِّفك كيف تستفيد منها.
فإذا أوردتُ قول النبي – صلى الله عليه وسلم- : (( فيما سقت السماء العشر )) (1) ، وجدت أن هذا عام من وجهين : من حيث الجنس , و من حيث القدر:
((فيما سقت السماء العشر)) : عام في جنسه وفي قدره ؛ فإذا أخذت بهذا العام على ظاهره قلتَ : تجب الزكاة في كل قليل أوكثير خارج من الأرض سواء يُكال أو يُدَّخر أو يُقتات أو أي نوع كان ؛ لأن الحديث عام ؛ ولكن أصول الفقه تبين لك كيف تستفيد من هذا الحديث .

نقول : في أصول الفقه إذا ورد العام وورد ما يُخصصه ، فاحمل العام على الخاص .
فنأتي إلى المقدار ونقول إن الرسول –صلى الله عليه و سلم - يقول : (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )) (2)

إذاً العشر هل يجب على من يملك أربعة أوسق ؟ لا . . لأن الحديث الثاني قد خصّص الحديث الأول.

فمن أين تعرف أن العام يُخصص إلا بعد دراسة أصول الفقه ؛ فهو الذي يعطيك هذا العلم .

فقوله –صلى الله عليه و سلم - : ((فيما سقت السماء العشر )) عام في جنسه يشمل كل شيء خرج من الأرض سقته السماء ، لكن إذا عدتَ على قوله – صلى الله عليه وسلم - :(( ليس فيما دون خسر أو صدقة )) عرفتَ أنه لا زكاة إلا فيما يُوسّق - أي يجعل أحمالا- وهو المكيل والموزون ؛ فخرج بذلك ما لا يُكال ولا يوزن ، فليس فيه زكاة .

إذا ففائدة أصول الفقه عظيمة ؛ لأنه يعرفك كيف تستفيد من الأدلة .

و قوله " و حال المستفيد "
حال المستفيد من الأدلة ؛ مَن الذي يستفيد من الأدلة ؟
قالوا : إنه المجتهد ( يعني القادر على استنباط الأحكام من الأدلة ) لكن مع ذلك فأصول الفقه يبحث في حال المُقلِّد ، لأن التقليد قسيم الاجتهاد ؛ فلذلك تجد الأصوليين يتكلمون عن المجتهد ويتكلمون أيضا عن المقلد وحكم التقليد وما يتعلق بذلك.

فصار موضوع أصول الفقه ثلاثة أشياء :
الأول : أدلة الفقه الإجمالية.
الثاني: كيف نستفيد من هذه الأدلة .
الثالث: حال المستفيد من هذه الأدلة ، وهو المجتهد .

يعني يبحث في الفقه ، ومن هو المجتهد ؛ فليس كل إنسان مجتهدا ؛ فلا بد من شروط وضوابط يعرف بها من هو المجتهد ،ومن هو المقلد ؛ لا بد من شروط يعرف بها المقلد ممن يجب عليه أن يجتهد ويأخذ الأدلة بنفسه من نصوصها .

فصار علم أصول الفقه ني الحقيقة علما مهما ؛ فلا ينبغي لطالب العلم أن يفرط فيه ؛ و مع كونه يُسمى "أصول الفقه " فهو أصول أيضا لغير الفقه ؛ إذ يمكن أن تستخدمه في باب التوحيد ؛ ولهذا كيف نعرف أن الصفات التي وصف الله بها نفسه مغايرة لصفات المخلوقين إلا بقواعد أصول الفقه ؟ ! وهو : أن نحمل هذه الظواهر على مثل قوله -تعالى- : (( ليس كمثله شيء)) [الشورى :11].

ونقول : إن هذه الظواهر إن كان يُفهم منها على سبيل الفرض لا على سبيل الواقع أنها تماثل صفات المخلوقين ؛ فإن قوله –تعالى-: (( ليس كمثله شيء )) يمنع هذا الفهم الفاسد .

على أن الصحيح أنه لا يمكن أبدا أن يُفهم من الصفات التي أضافها الله لنفسه أن يُفهم منها ما يُفهم من صفات المخلوقين ؛ وهذا قررناه من قبل : أن الصفات بحسب ما تضاف إليه ؛ فإذا أضيفت إلى الله فهي ليست كما أضيفت إليه .
ولهذا لو قلتَ : "يد الذَرَّة " (3) فهل يَفهم المخاطب أنها على حجم يد البعير؟! لا يفهم هذا ! بل يفهم أن لها يدا تناسبها .

إذا فلا يمكن أن نفهم من قوله -تعالى- : (( بل يداه مبسوطتان )) [المائدة: 64] أن يديه كأيدينا ، فإن هذا مستحيل ؛ لأنها منسوبة إلى الله -عز وجل- ، فهي تليق به ؛ و لهذا فنحن نهدم قول من يقول : إن الذي يفهم من هذه الآيات هو ما يماثل صفات المخلوقين لكن منع ذلك قوله -تعالى- : ((ليس كمثله شيء )) نمنع هذا ، لأن أصل هذا الفهم خطأ ؛ إذ لا يُمكن أن تفهم الصفات إلا على حسب ذلك المخلوق.
إذا فيمكن أن نستخدم أصول الفقه في باب التوحيد ، وفي باب التفسير، و في باب الحديث ، وفى كل شيء ، فهو من المهمات جدا .

------------------
(1)- رواه البخاري.
(2)- متفق عليه.
(3)- أي : النملة.

رد مع اقتباس