عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05 Dec 2009, 10:02 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين و إمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

{ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}

آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبالكعبة قبلة، وبالقرآن إماماً، وبسيدنا محمد نبياً ورسولاً.

أقسم ما كنت أدري لمَ فاضت نفسي بهذه الآية عندما أخذت القلم لأكتب هذا التصدير لنشرة جمعية العلماء ؟

و لمَ جاشت بهذا الاعتراف الشامل لكليات الإيمان في هذا الوقت ؟

ولكنني بعد أن كتبت الآية وسجلت الاعتراف وضعت القلم ورجعت لنفسي أسألها فيما بيني وبينها :

بأي شعور كانت مغمورة أو أي انفعال كان يساورها حين أَمْلَت على القلم هذه الآية ؛ وحين فاضت بهذا الإقرار الذي لا داعي إليه من مثلها في مثل هذا الوقت ؟ فخفقت خفقاً هي أشبه شيء بلفتة المذعور كأنها تبحث عن هذا الشعور في الماضي المتصل بالحال ؛ وتبَيَّن لي أنها كانت سابحة في جوٍّ من التفكير في حال المسلمين واستعراض ماضيهم السعيد وحاضرهم الشقي ؛ وتلمُّس الأسباب و العلل لهذا الانحطاط المريع، بعد ذلك الارتفاع السريع. وكأنها وقفت بعد ذلك الاستعراض موقف الحيران المدهوش تسأل :

كيف يشقى المسلمون وعندهم القرآن الذي أسعد سلفهم ؟

أم كيف يتفرقون ويضلون وعندهم الكتاب الذي جمع أولهم على التقوى ؟

فلو أنهم اتبعوا القرآن وأقاموا القرآن لمَا سخر منهم الزمان وأنزلهم منزلة الضِّعة والهوان.

ولكن الأولين آمنوا فأمِنوا ؛ واتبعوا فارتفعوا. ونحن... فقد آمنا إيماناً معلولاً، واتّبعنا اتباعاً مدخولاً. وكلٌ يجني عواقب ما زرع.

ثم أدركتْها الرهبة فلجأتْ إلى الابتهال فالتقى اللسان والقلم على هذه الآية :

{ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين}.

* * *
.......... ولكن ما هو القرآن الذي نكرره في كل سطر ؟

أهو هذه (الأحزاب الستون) أو (الأجزاء الثلاثون) التي نحفظها وننفق على حفظها سنوات الطفولة العذبة، وسنوات الشباب الزهر، ثم لا يكون حظنا منه عند هجوم الكِبَر إلا قراءته على الأموات بدريهمات ! واتخاذه جُنّة من الجِنَّة وغير ذلك من الهنات الهينات؟

إن كان هو هذا فلمَ لم يفعل فعله في الأولين ؟ ولِمَ نرى حفّاظه اليوم ـ على كثرتهم ـ أنقى الناس من هذه المعاني التي كان القرآن يفيضها على نفوس حفّاظه بالأمس؟

ونجدهم دائما في أخريات الناس أخلاقاً وأعمالاً حتى أصبحوا هدفاً لسخرية الساخر؛ يتكسبون بالقرآن فلا يجديهم، ويقعون في المزالق فلا يهديهم، مع انهم يقرؤون فيه {إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.

فنعم: إن القرآن هو هذه الأحزاب الستون التي نقرؤها اليوم بألفاظها وحروفها ونقوشها منقولاً بالتواتر القطعي محفوظاً بحفظ الله من كل ما أصاب الكتب السماوية من قبله من النسيان والتبديل وتحريف الكلم عن مواضعه.

كَبُرَ بتواتره عن الإسناد والمسندين، وشهادة المعدلين والمجرحين. قد نَيَّفَ على ثلاثة عشر قرناً ولم يشك المسلمون في حرف منه فضلاً عن كلمة ؛ وفي الأرض عدد حصاها أعداءٌ له يتمنّون بقاصمة الظهر أن لو ينطفي نوره، ويسْتسرّ ظهوره. ويرضخون في سبيل محوه من الأرض بما كسبت الأيدي واحتقبت الخزائن من الأموال، وبما أخرجت بطون النساء من الرجال، وبما أنتجت القرائح من مكر واحتيال، وكيد ومِحال. فلم ينالوا منه نيلاً إلا مِضضاً تنطوي عليه جوانحهم، ووغراً تنكسر عليه صدورهم، وشَجى تنثني عليه لهواتهم، وحقداً تغلي مراجله في نفوسهم. وقد أبقاهم الله وأبقى لهم منه المقيم المقعد وهم بهذه الحال وهو بهذه الحال إلى يومنا هذا.

فلينم المسلمون ملء جفونهم، ولينعموا بالاً من هذه الناحية، وليعلموا أن القرآن أتى من قبلهم.....

ولكن سرَّ القرآن ليس في هذا الحفظ الجاف الذي نحفظه، ولا بهذه التلاوة الشلاء التي نتلوها، وليس من المقاصد التي أنزل لتحقيقها تلاوته على الأموات، ولا اتخاذه مكسبة، والاستشفاء به من الأمراض الجسمانية.

وإنما السر كل السر في تدبره وفهمه، وفي اتباعه والتخلق بأخلاقه. ومن آياته: {كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدَّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، ومن آياته :{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون } { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}.

هذه هي الطريقة الواحدة التي اتبعها المسلمون الأولون فسعدوا باتباعها والاستقامة عليها. وهذا هو الإسلام متجلياً في آيات القرآن. دين واحد جاء به نبي واحد عن إلهٍ واحد. وما ظنك بدين تحفّه الوحدة من جميع جهاته؟ أليس حَقيقاً أن يسوق العالم إلى عمل واحد وغاية واحدة واتجاه واحد على السبيل الجامعة من عقائده وآدابه ؟ أليس حقيقاً أن يجمع القلوب التي فرقت بينها الأهواء، والنفوس التي باعدت بينها النَّزَغات، والعقول التي فرّق بينها تفاوتُ الاستعداد ؟

بلى والله إنه لحقيقٌ بكل ذلك.


[ يتبع... ]

رد مع اقتباس