عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 29 Dec 2009, 10:58 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي


إن الإسلام في جوهره لأصلاحٌ عام مَنَّ اللهُ به على العالم الإنساني بعد أن طغت عليه غمرة حيوانية عارمة اجتاحت ما فيه من فطرة صالحة ركّبها ربُّ العالمين، وما فيه من أخلاق قيمة وشرائع عادلة قررها الهداة من الأنبياء والمرسلين والحكماء المصلحين، وصحبتها غمرة وثنيّة وقفت في طريق الفكر فعاقته عن التقدم وابتلته بما يشبه الشلل، وقطعت الصلة بين الإنسان وبين خالقه، وعبَّدت بعضَه لبعض ؛ ثم عبّدته للأصنام وعبّدته للأوهام، ولكنَّ اللهَ تداركَهُ برحمته فجاءه بالإسلام بعد أن مدَّت هذه الغمرات مدَّها، وبلغت حدَّها. واستشرف لحالٍ خير من حاله ونور يجلو ظلمته. وكان ذلك النور هو الإسلام.

وكان مستقر الدين من نفوس البشر تتعاوَرُه نزعتان مختلفتان وهما التعطيل المحض والشرك. وكان العالم كله يضطرب بين هاتين النزعتين وقد ملكتا عليه أمره فلا تسلمه المهلكة منها إلاّ الموبقة. ولم يسلم من شرهما حتى الملِّيون الكتابيون. فجاءه الإسلام بالدواء الشافي وهو التوحيد الخالص مؤيداً بالأدلة التي تبتدئ من النفس. وإن نظرة في النفوس حين تتجلى بغرائبها ؛ ونظرة في الآفاق حين تتعرض بعجائبها لتفضيان بصاحبهما إلى اليقين الذي لا شكَّ بعده. وهذا هو ما حُرِمَه البشر قبل نزول القرآن فوقفوا في الطرفين المتناقضين من شرك وتعطيل.
وهذا هو ما دعا إليه القرآن فهداهم به إلى سواء السبيل.

تفرق أهل الكتب السماوية في الدين قبل الإسلام

تلتقي الأديان السماوية في كلمة سواء ومقصد أعلى وهو جمع أهلها على الهدى والحق ليسعدوا في الدنيا ويستعدوا لسعادة الآخرى بهذا جاءت الأديان المعروفة وبهذا نزلت كتبها.

والقرآن الذي هو المهيمن عليها يخبرنا بان كتاب موسى إمام ورحمة وان الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل هدى للناس وأنهما جاءا بما جاء به القرآن من الدعوة إلى عبادة إله واحد والرجوع إليه وحده فيما يعلو كسب البشر، ومن بث التآخي بين الناس وعدم استعباد بعضهم للبعض، ومن الأمر بالخير والنهي عن الشر، ويخبرنا أن من وصايا الله الجامعة لتلك الأمم على ألسنة رسلها هي أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وأن تلك الأمم لم تحفظ وصية الله فتفرقت في الدين شيعاً وجعلت السبيل الوحيد سبلاً واختلفت في الحق من بعد ما جاءها من العلم والبينات فقامت عليها الحجة وحقت عليها كلمة الله وكان عاقبة أمرها خسراً.
والقرآن يبدئ ويعيد في هذا الباب ويقص علينا من مبادئ بني إسرائيل ومصائرهم ومواردهم ومصادرهم ما فيه مزدجر كل ذلك لنعتبر بأحوالهم ولا نسلك الطريق الذي سلكوا فنهلك كما هلكوا ؛ ولم يأل نبينا صلى الله عليه وسلم أمته نصحاً وإبلاغاً في هذا الباب وكيف لا وقد أنزل عليه ربه { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} فكان أخشى ما يخشاه على أمته أن يدب فيها داء الأمم قبلها فتختلف كما اختلفت وتتفرق في الدين كما تفرقت، وقد وقع ما كان يخشاه صلى الله عليه وسلم، فتفرقت أمته في الدين ولعن بعضها بعضاً باسم الدين وأكل بعضها مال بعض باسم الدين وانتهكت الأعراض والحرمات باسم الدين واتَّبعت سَنَنَ من قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، ولم تنتفع بتلك العظات البالغة والنذر الصادعة من كلام الله وكلام رسوله حتى حقت عليها الكلمة وصارت إلى أسوأ حال من الخزي والنكال.

ولعل لتلك الأمم الكتابية ما يشبه العذر في المصير الذي صارت إليه لضياع كتبها التي هي منبع الهداية بين التحريف والتبديل والنسيان والتأويل، أما هذه الأمة فإن حبل الله المتين فيها ممدود وباب الفقه فيها مفتوح غير مسدود ووارد منهله العذب غير مخلى ولا مطرود، ولكن تناوله أولهم بالتأويل وآخرهم بالتعطيل حتى اتخذوه مهجوراً وجعلوا تفسيره وفهمه أمراً محظوراً، فحُرِموا ما فيه من شفاء ورحمة وعلو وحكمة وبلاغ وبيان وهدي فرقان ونور وحياة وعصمة ونجاة وباقيات صالحات، فلم يزالوا لاهين بالانتساب الصوري إليه حتى دلتهم حوادث الدهر عليه فاستشعروا وهم بين براثن من السباع البشرية تتخطف وصوالجة من الأمم الغالبة تتلقف غيبة هاديه الذي كان يهيب بالأرواح إلى العز وفقد حاديه الذي كان يسوق النفوس إلى الكرامة واختفاء نوره الذي كان يجلو البصائر ويزيل الغمم، فاقبلوا يتلمسونه، وانثالوا عليه يتحسسونه يرجون منه ما يرجو المدلج الحيران من انبلاج الفجر وراعي السنين الغبر من انهلال القطر ؛ وقد قوى أملنا في رجوعهم إليه وإقبالهم عليه ما نراه من اصطباغ الحركة الإصلاحية الحديثة بالصبغة القرآنية فهي سائرة إلى غايته داعية غليه مرشدة به مستدلة بآياته، به تصول وبه تحارب وعليه تحامي ودونه تنافح، وما الحركة الإصلاحية في يومنا هذا بضئيلة الأثر ولا هي بقليلة الاتباع وإن هذا لموضع الرجاء في رجوع المسلمين إلى القرآن.
[ يتبع... ]

رد مع اقتباس