عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 23 Mar 2010, 02:55 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

أما المذاهب الفقهية فحدوثها ضروري وطبيعي مادامت السنة لم تجمع ؛ وبعد جمعها لم تكن وافية بالتنصيص على الوقائع الجزئية، ومتونها وأسانيدها بعد خاضعة للتزكية والتجريح لأنها لم تنقل بطريق التواتر، وما دامت مدارك المجتهدين الذين هم المرجع في هذا الباب متفاوتة بالقوة والضعف في الاستنباط ووجوه القياس وعلله ومادامت الوقائع التي تناط بها الأحكام لا تنضبط ؛ وقد استحدث العمران أنواعاً جديدة من المعاملات الدنيوية لا عهد للإسلام الفطري بها، وصوراً شتى من المعايش ووجوه الكسب لم تكن معروفة، فمن سماحة التشريع الإسلامي ومرونته أن تتناول هذه المستحدثات الجديدة بأنظار جديدة، وتستنبط من أصوله أحكاماً لفروعها. وكل هذا لا حرج فيه وليس داخلاً فيما نشكوه بل نحن أول من يقدر قدر تلك الأنظار الصائبة والمدارك الراقية ويقيمها دليلاً على اتساع التشريع الإسلامي لمصالح الناس، وصلاحيته لجميع الأزمنة وينكر على من سدَّ هذا الباب على الأمة فزهدها في استجماع وسائله. ونحن أول من يقدر قدر أولئك الأئمة العظام الذين هم مفاخر الإسلام.


والمذاهب الفقهية في حد ذاتها ليست هي التي فرقت المسلمين، وليس أصحابها هم الذين ألزموا الناس بها أو فرضوا على الأمة تقليدهم، فحاشاهم من هذا، بل نصحوا وبينوا وبذلوا الجهد في الإبلاغ وحكّموا الدليل ما وجدوا إلى ذلك السبيل، وأتوا بالغرائب في باب الاستنباط والتعليل، والتفريع والتأصيل ؛ ولهم في باب استخراج علل الأحكام، وبناء الفروع على الأصول، وجمع الأشباه بالأشباه، والاحتياط ومراعاة المصالح ما فاقوا به المتشرعين من جميع الأمم.



وإنما الذي نعده في أسباب تفرق المسلمين هو هذه العصبية العمياء التي حدثت بعدهم للمذاهب والتي نعتقد أنهم لو بعثوا من جديد إلى هذا العالم لأنكروها على أتباعهم ومقلدتهم وتبرؤوا إلى الله منهم ومنها لأنها ليست من الدين الذي ائتمنوا عليه ولا من العلم الذي وسَّعوا دائرته، وكيف يرضون هذه العصبية الرعناء ويقرون عليها مقلِّدَتهم ؟! ومن آثارها فيهم جعل كلام غير المعصوم أصلاً وكلام الله ورسوله فرعاً يذكر للتقوية والتأييد إن وافق، فان خالف أُرغم بالتأويل حتى يوافق. وهذا شر ما بلغته العصبية بأهلها. ومن آثارها فيهم معرفة الحق بالرجال ؛ ومن آثارها فيهم اعتبار المخالف في المذهب كالمخالف في الدين يختلف في إمامته ومصاهرته وذكاته وشهادته إلى غير ذلك مما نعد منه ولا نعدده.



وقد طغت شرور العصبية للمذاهب الفقهية في جميع الأقطار الإسلامية، وكان لها أسوأ الأثر في تفريق كلمة المسلمين. وإن في وجه التاريخ الإسلامي منها لندوباً.



أما آثارها في العلوم الإسلامية فإنها لم تمدها إلا بنوع سخيف من الجدل المكابر لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ ولا عاصم من شرور هذه العصبية إلا صرف الناشئة إلى تعليمٍ فقهي يستند على الاستقلال في الاستدلال، وإعدادها لبلوغ مراتب الكمال وعدم التحجير عليها في استخدام مواهبها إلى أقصى حد.
[ يتبع... ]


التعديل الأخير تم بواسطة أبو تميم يوسف الخميسي ; 23 Mar 2010 الساعة 03:10 PM
رد مع اقتباس