عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01 Jan 2008, 10:36 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

دفع شبهة ونقض فرية في هذا المقام

سيقول بعض الناس : إن ما ذكرتموه من آثار الطرق السيئة كله صحيح وهو قليل من كثير ؛ ولكن هذه الطرق لم يعترها الفساد والإفساد إلا في القرون الأخيرة ؛ وأنتم ـ معشر المصلحينـ تذهبون في إنكاركم على ما قبل هذه القرون، وتتناولون فيما تكتبون وما تخطبون وما تدرسون ـ المحدثين والقدماء والأصول البعيدة والفروع القريبة ـ حتى بسطتم ألسنتكم بالسوء إلى مقامات وأسماء كانات قبل اليوم كحمام الحرم ولعل خصومكم يكونون أدنى للرجوع إلى الحق لو سكتم لهم عن هذه الأسماء.

لهذا القائل نقول : _ بعد شكره على الاعتراف ببعض الحق ـ غن الجزء الأخير من كلامك مقتبس مما يشنع به علينا خصوم الإصلاح وهو أننا ننبش القبور ولا نحترم الأموات وننكر كرامات الأولياء ومراتبهم (من غوثية وقطبانية) إلى أكاذيب يلفقونها وأراجيف يتناقلونها عنا. فاسمع يا هذا :

إن حجة الإسلام قائمة ، وميزانه منصوب، وآدابه متمثلة في سيرة الصحابة والتابعين ؛ وإننا لا نعرف في الإسلام بعد قرونه الثلاثة الفاضلة ميزة لقديم على مُحْدث ولا لميت على حي ؛ وإنما هو الهدى أو الضلال، والاتباع أو الابتداع ؛ وليست التركة التي ورَّثَناها الإسلام عبارة عن أسماء تطفوا بالشهرة وترسب بالخمول ويقتتل الناس حولها كالأعلام، أو يفتنون بها كالأصنام. وإنما ورَّثَنا الحكمة الأبدية، والأعمال الناشئة عن الإرادة، والعلم المبني على الدليل.

وإن المسلمين غلو في تعظيم بعض الأسماء غلوا منكراً فأدّاهم ذلك الغلو إلى نوع غريب من عبادة الأسماء نعاه القرآن على من قبلنا ليعظنا ويحذرنا ما صنعوا.

وقد عزل عمر خالد بن الوليد وقال خشيت أن يفتتن به الناس.

ونحن حين نحكم على الأشياء نحكم عليها بآثارها. وآثار هذا الغلو في المسلمين كانت الشر المستطير والتفرق الماحق.

ونحن إذ ننكر إنما ننكر الفاسد من الأعمال، والباطل من العقائد، سواء علينا أصدرت من سابق أم من لاحق، ومن حي أم من ميت. لأن الحكم على الأعمال لا على العاملين ؛ وليس صدور العمل الفاسد من سابق بالذي يحدث له حرمة أو يصيره حجة على اللاحقين ؛ بل الحجة لكتاب الله ولسنة رسوله فلا حق في الإسلام إلا ما قام دليله منهما واتضح سبيله من عمل الصحابة والتابعين بهما، أو إجماع العلماء بشرطه على ما يستند عليهما. وبهذا الميزان فأعمال الناس إما حق فيقبل أو باطل فيرد.

وقد روى الثقاة عن الإمام مالك أنه من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمد خان الرسالة لأن الله يقول :{اليوم أكملت لكم دينكم.........}الآية فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون ديناً.

وإنكاره على الإمام عبد الرحمن بن مهدي وضعَ الرداء أمامه في الصلاة وعدّه ذلك من الحَدَث معروف. وحكايته مع الرجل الذي سأله عن الإحرام من مسجد المدينة وقال له: إنما هي بضعة أيام أزيدها ؛ واستشهاد الإمام بقوله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} كل ذلك معروف مشهور.

* * *

ومع أننا نعلم أن الطرق منتشرة في العالم الإسلامي وأن آثارها فيه متشابهة وإنما هي السبب الأقوى في كثير مما حل به من الأرزاء والنكبات وكثيراً ما كانت مفتاحاًَ لاستعمار ممالكه ؛ فإن حربنا موجهة أولاً وبالذات إلى طرقيّة الشمال الإفريقي وبينها من الوشائج ما يجعلها كالشيء الواحد. فعلى مقدار هؤلاء الذين نعرف جنسهم وفصلهم وفرعهم، وأصلهم، نفصل القول، وإلى هذا الهدف نسدد السهام.

والأمر بيننا وبينهم من يوم شنت الغارة دائرٌ على أحوال وسائر على مراحل ينتقلون بنا من إحداها إلى الأخرى ولا نزال نطاردهم وهم يلتجؤن من ضيّق إلى أضيق إلى الآن.

وذلك أننا لما أنكرنا عليهم باطلهم الذي يرتكبونه باسم الدين ؛ زعموا أن الطريق هي الدين. ولما نقضنا لهم هذه الدعوى تَنَزّلوا فزعموا أن لها حبلاً واصلاً بالدين وسنداً متصلاً بالسلف. ولما بيننا لهم أن الحبل مقطوع وأن السند منقطع، قالوا إن هذه الطرقية مرت عليها قرون ولم ينكرها العلماء، فبينا لهم أن عدم إنكار العلماء الباطل لا يصيره حقاً ؛ ومرور الزمن عليه لا يصيره حقاً. وقلنا لهم إذا كان سلفكم في الطرقية يعملون مثل أعمالكم فهم مبطلون مثلكم. وإذا كانوا على المنهاج الشرعي فليسوا بطرقيين. ونحن نعلم من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أن بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوف والطرق كانوا على استقامة شرعية وعمل بالسنة ووقوف عند حدود الله، فهم صالحون بالمعنى الشرعي، ولكن الصلاح لم يأتهم من التصوف أو الطرق وإنما هو نتيجة التدين.

وفي مثل هؤلاء الصالحين الشرعيين إنما نختلف في الأسماء فنحن نسميهم صالحي المؤمنين وهم يسمونهم صوفية وأصحاب طرق، فياويلهم ! إن طريقة الإسلام واحدة، فما حاجة المسلمين إلى طرق كثيرة ؟

ثم ما هذا التصوف الذي لا عهد للإسلام الفطري النقي به، إننا لا نقرّه مظهراً من مظاهر الدين، أو مرتبة عليا من مراتبه، ولا نعترف من أسماء هذه المراتب إلا بما في القاموس الديني : النبوة والصدّيقية والصحبة والاتباع، ثم التقوى التي يتفاضل بها المؤمنون، ثم الولاية التي هي أثر التقوى، وإن كنا نقرّه فلسفة روحانية جاءتنا من غير طريق الدين ونرغمها على الخضوع للتحليل الديني.

وهل ضاقت بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدقة العجيبة في تحديد المعاني حتى نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتسع معناها لكل خير ولكل شر ؟!

ويميناً لو كان للمسلمين ـ يوم اتسعت الفتوحات وتكونت (المعامل) الفكرية ببغداد ـ ديوان تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي لكانت هذه الكلمة من (المواد الأولية) المحرمة الدخول..... فقد أصبحت هذه الكلمة التي غفلوا عنها أُمَّاً ولوداً تلد البر والفاجر، ثم تمادى بها الزمن فأصبحت قلعة محصنة تؤوي كل فاسق وكل زنديق وكل ممخرق وكل داعر وكل ساحر وكل لص وكل أفاك أثيم، وانظر طبقات الشعراني وما طبع على غرارها من الكتب، تجد أصناف المحتمين بهذه القلعة ـ وهم ببركة حمايتها ـ طلقاء من قيود الشريعة.

وإن هذه القلعة لهي المعقل الأسمى والملاذ الأحمى لأصحابنا اليوم فكل راقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجن خليع صوفي وكل مسلوب لعقل صوفي، وكل آكل للدنيا بالدين صوفي، وكل ملحد في آيات الله صوفي وهلم سحباً.

أفيجمل بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه ؟ أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملة صادقة شعارهم (لا صوفية في الإسلام ) حتى يدكوها دكاً وينسفوها نسفاً ويذروها خاوية على عروشها !

إن احترام الصوامع و الأديرة لأن فيها قوماً فحصوا رؤوسهم وحبسوا نفوسهم، مشروط بما إذا لم تكن مأوى للمقاتلة وإلا زال احترامها.

* * *

والحقيقة أن الطرقيين أرادوا أن يصبغوا طرقهم بالقدسية الدينية فانتحلوا لهل هذه الأباطيل وأعطوها خصائص الدين كلها ؛ ألم تر انهم يعدون الخروج من طريقة ولو إلى طريقة أخرى كالارتداد عن الدين يموت فاعله على سوء الخاتمة. قبّحهم الله. فما هو إلا خروج من ضلالة إمّا إلى هدى وإما إلى ضلالة أشنع.

ولما فضحناهم من هذه النواحي كلها لجأوا إلى العامة يستصرخوها باسم الغيرة على الأوائل......... وإن كثيراً منهم ليعني بالأوائل أباه القريب وجده ؛ وقد كان في هؤلاء الأوائل الذين يعنونهم من ينتحل ظواهر من التدين ؛ وفيهم من يفعل فعل الأبالسة. ونحن أدركنا كثيراً منهم وبلونا أخبارهم فوجدنا ظواهر مموهة على بواطن مشوهة. وأكبر جرحة دينية فيهم عندي إقرارهم لتلك الأماديح الشعرية الملحونة التي كان يقولها فيهم الشعراء المتزلفون وينشدونها بين أيديهم في محافلهم العامة وفيها ما هو الكفر أو دونه الكفر من وصفهم بالتصرف في السموات والأرضين وقدرتهم على الإغناء والإفقار وإدخال الجنة والإنقاذ من النار، دع عنك المبالغات التي قد تغتفر، كل ذلك وهم ساكتون، بل يعجبون لذلك ويطربون ويثيبون المادح علماً منهم أن ذلك المديح دعاية مثمرة تجلب الأتباع وتدر المال، ولو كانوا على شيء من الدين لما رضوا أن يسمعوا تلك الأماديح وهم يعلمون كذبها من أنفسهم ويعلمون أن فيها تضليلاً للعامة وتغريراً بعقائدها، وإن تلك الأماديح المنشورة بين الناس في وطننا هذا هي سر انتشار الطرقية وتغوُّلها فيه، وقد سمعنا الكثير منها ولنا فيها وفيمن قيلت فيه فلسفة خاصة سنفردها بالكتابة في فرصة أخرى إن شاء الله.

وبالجملة فهذا الطراز الطرقي الذي أدركناه من آباء وأبناء يجمعهم قولك طلاب دنيا وعبّاد شهوات، ولو أكلوا أموال الناس بالباطل من غير أن يتخذوا الدين شباكاً لهان أمرهم على الناس ولاتقوهم بما يتقون به اللصوص، ولوَكَلْنَاهم نحن إلى القوانين والوَزَعَة ؛ فأما أن يعبثوا بالدين كل هذا العبث وبما حرم الله من أعراض المسلمين وأحوالهم ثم يريدون أن نسكت عنهم كما سكت العلماء من قبلنا فلا والله ولا كرامة.

ولعل أسخف طور مر على الطرقية في تاريخها هو هذا الطور الأخير فقد أصبح من أحكامها أن شيخ الطريقة لا يلد إلا شيخ طريقة، وهم ـ قطع الله دابرهم ـ لا يعرفون من السنة إلا تناكحوا تناسلوا.. إلخ فكثر نسلهم وكثرت بكثرته (مشايخ الطرق) وأصبح أمر هذه المشيخة لا يتوقف على تربية ولا تسليك ولا إجازة، وإنما يتوقف على قاعدة (خبز الأب للابن ) أو على شيء آخر وهو التولية الحكومية مثل ما نعلم عن مصر وتونس والجزائر من صدور الإرادات السَّنِية والأوامر العلية والمراسيم الحكومية بولاية المشيخة الطرقية، فياللسخرية........

وأغرب من هذا أننا رأينا لأول مرة في تاريخ الطرقية شيخ طريقة بالانتخاب عند الطائفة العليوية المجددة العصرية (المودرن).

* * *

إننا لا نحمل لهؤلاء المشائخ ولا لأولادهم ولا لأحفادهم حقداً ولا نضغن عليهم شيئاً، ولا ننفس عليهم مالاً من الأمة ابتزوه، ولا جاهاً على حسابها أحرزوه، وليس بيننا وبينهم تراتٌ قديمة، ولا ذحولٌ[1]متوارثة، ولا طوائلُ مغرومة، وإنما هو الغضب لله ولدينه وحرماته أنطقنا فقلنا وشننّاها غارة شعواء على الآباء والأبناء مادام هذا الغصن من تلك الشجرة، ولو كنا من الشعريات بسبيل لقلنا مع القائل :

لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المرَّ من ثمره.

* * *

[1]
ـ الذَّحْلُ : الثأر والحقد.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو تميم يوسف الخميسي ; 22 Feb 2010 الساعة 10:26 PM
رد مع اقتباس