عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01 Jan 2008, 10:36 PM
أبو تميم يوسف الخميسي أبو تميم يوسف الخميسي غير متواجد حالياً
مـشـرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: دولــة قـطـر
المشاركات: 1,623
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو تميم يوسف الخميسي إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو تميم يوسف الخميسي
افتراضي

موقف العلماء المسلمين من الطرقية

مبدأ جمعية العلماء المسلمين هو الإصلاح الديني بأوسع معانيه، الذي كان يعمل له المصلحون فرادى ؛ وإنما كانوا مسيرين بفكرة لا تستند على نظام، فأصبحوا مسيرين بتلك الفكرة نفسها مستندة على نظام مقرر وبرنامج محرر.

وقد كان حال المصلحين مع الطرق ما علمه القاري من الفصول السابقة.


فلما تأسست جمعية العلماء لم يزيدوا على تلك الحال ولم ينقصوا منها، لأن هؤلاء المصلحين لا يعملون مسالمين ومحاربين إلا عن إيمان وعقيدة، وعقيدتهم في الطرق هي أنها علة العلل في الإفساد ومنبع الشرور، وإن كل ما هو متفشٍّ في الأمة من ابتداع في الدين، وضلال في العقيدة، وجهل بكل شيء وغفلة عن الحياة، وإلحاد في الناشئة، فمنشؤه من الطرق ومرجعه إليها كما علمت بعض ذلك من فصل آثار الطرق السيئة وستعلم بعضه.

فلا يجهلَّن جاهل، ولا يقولن قائل : إن المصلحين شغلوا أوقاتهم بالطرق، واستنفذوا قوتهم في مقاومتها حتى ألهتهم عن كل شيء، وربما كان فيما شُغِلوا عنه ما هو أحق بالاهتمام مما شغلوا به، وهذه نقطة يجب إيضاحها دفعاً للأوهام.

إننا علمنا حق العلم بعد التروي والتثبت ودراسة أحوال الأمة ومناشئ أمراضها ؛ أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هي سبب تفرق المسلمين لا يستطيع عاقل سلم منها ولم يبتَلَ بأوهامها أن يكابر في هذا أو يدفعه، وعلمنا أنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين و الدنيا، ونعلم أن آثارها تختلف في القوة والضعف اختلافاً يسيراً باختلاف الأقطار، ونعلم أنها أظهر آثاراً وأعراضاً وأشنع صوراً ومظاهر في هذا القطر الجزائري والأقطار المرتبطة به ارتباط الجوار القريب منها في غيره، لأنها في هذه الأقطار فروع بعضها من بعض، ونعلم أننا حين نقاومها نقاوم كل شر، وإننا حين نقضي عليها ـ إن شاء الله ـ نقضي على كل باطل ومنكر وضلال، ونعلم زيادة على ذلك أنه لا يتم في الأمة الجزائرية إصلاح في أي فرع من فروع الحياة مع وجود هذه الطرقية المشؤومة ومع مالها من سلطان على الأرواح والأبدان ومع ما فيها من إفساد للعقول وقتل للمواهب.

إن كاتب هذه الأسطر قُدِّر له أن يقيم في الحجاز سنوات عديدة في العهد العثماني ؛ والحجاز معرض الأمم الإسلامية ؛ فرأى أن هذه الطرق لم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام، ورأى أنها تختلف في التعاليم والرسوم والمظاهر كثيراً ولا تختلف في الآثار النفسية إلا قليلا ً، وتجتمع كلها في نقطة واحدة وهي التخدير والإلهاء عن الدين والدنيا.

ولقد ـ والله ـ كنت أرى المسلمين المختلفي الأقطار والأجناس واللغات يجتمعون في حرم رسول الله وفي مهبط الوحي الجامع، فلا أجد بينهم ذلك الأنس الذي كان يجده المسلم حين يلتقي بالمسلم، ولا أقرأ في وجوههم تلك البشاشة التي كانت تسابق الألسنة إلى التحية ؛ فلا أعلل تلك الظاهرة الجافية بتباعد الديار، إذ لو كان الشعور بالأخوة صادقاً صحيحاً لكان بعد الدار أدعى إلى الشوق والحنين في الغيب وإلى كرم اللقاء وبشاشة الوجه في المشهد، ولا أعلله باختلاف اللغات لأن النفوس والوجوه والأسارير لا تحتاج إلى ترجمان.

ولكنني كنت أعلل هذا اللقاء العابس بما أحدثته فينا المفرقات الروحية ـ وهي الطرق والمذاهب ـ من تنافر عظم على الزمان حتى جعل الأخوة أعداءً.

وكم كنت أمتعض حين كنت أرى الحنفي لا يصلي خلف الشافعي، والشافعي لا يصلي خلف المالكي، بل كنت أمتعض لتعدد الأئمة من أصله، ولتعدد الحلق الطرقية التي لا تجمع الناس لمدارسة علم، وإنما تجمعهم لتحكيم وهْمٍ، وأقول في نفسي إذا لم تجتمع قلوبنا في حرم رسول الله على دين الله، فهل ينفعنا اجتماع الأبدان ؟

ونعود إلى موضوعنا فنقول : إن جمعية العلماء لم تنفق أوقاتها كلها ولم توجه قواتها بأجمعها إلى هذه الجهة فقط كما يتوه بعض الواهمين، بل إن للجمعية برنامجاً إصلاحياً عملياً حكيماً، وهي موزعة أعمالها على فصوله، معطية كل فصل ما يستحقه واقفة في كل عمل عند ما يتهيأ لها من وسائله، ويتيسر من أسبابه، ولو لم يتجهم لها الزمن، ولم تصادمها العقبات المتنوعة، ولم تقف في وجهها العوائق المتكررة، لسارت في جميع فروع الإصلاح التي يشملها برنامجها سيراً حثيثاً، ولكنها تحمد الله على تلك المكاره التي شددت من عزائمها وسددت من خطاها، وأكملت من حنكتها، وزادتها ثباتاً في الحق أضعاف ما تحمده على المحابِّ التي تسرّ وقد تغرُّ.

* * *

موقف جمعية العلماء من البدع والمنكرات العامة

وقفت جمعية العلماء المسلمين من البدع العامة والشعائر المستحدثة كبدع المساجد، وبدع الجنائز، وبدع المقابر، وبدع الحج، وبدع الاستسقاء وبدع النذور، كما وقفت من بدع الطرق وضلالات الطرق وقفة المنكر المشتد الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، في وقت استحكمت فيه هذه البدع حتى أصبحت ديناً مستقراً، وعقيدة راسخة، فغيرت بالقول، وأغارت بالفعل، وبينت بالدليل، وقارعت بالحجة، وطبقت بالعمل. وكان في أعمال أعضائها أسوة حسنة للناس ؛ وشعارها في هذا الباب أن كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة.

وقد أقرَّ الله عينها بإماتة بدع كثيرة، وإحياء سنن كثيرة، وإنها لترجو ـ بمعونة الله ـ أن تقضي على البقية الباقية من البدع برغم صراخ المبطلين، وعويل المستغلين، وفقها الله وسدد خطاها.

* * *

وإنك لا تبعد إذا قلت إن لِفُشوِّ الخرافات وأضاليل الطرق بين الأمة أثراً كبيراً في فشوِّ الإلحاد بين أبنائها المتعلمين تعلما أوروباوياً، الجاهلين بحقائق دينهم، لأنهم يحملون من الصغر فكرة أن هذه الأضاليل الطرقية هي الدين، وأن أهلها هم حملة الدين، فإذا تقدم بهم العلم والعقل لم يستسغها منهم علم ولا عقل، فأنكروها حقاً وعدلاً، وأنكروا معها الدين ظلماً وجهلاً، وهذه إحدى جنايات الطرقية على الدين.

أرأيت .... إن القضاء على الطرقية قضاء على الإلحاد في بعض معانيه وحسم لبعض أسبابه.

* * *

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كما هي

نسمع نغمات مختلفة ونقرؤها في بعض الأوقات كلمات مجسمة صادرة من بعض الجهات الإدارية أو الجهات الطرقية تحمل عليها الوسوسة وعدم التبصر في الحقائق من جهة، والتشفي والتشهير من الجهة الأخرى، هذه النغمات هي رمي جمعية العلماء تارة بأنها شيوعية، وتارة بأنها محرَّكة بيد خفية أجنبية، وتارة بأنها تعمل للجامعة الإسلامية أو العربية، أو تعمل لنشر الوهابية، والطرقيون لا تهمهم إلا هذه الكلمة الأخيرة فهي التي تقض مضاجعهم وتحرمهم لذيذ المنام، وحالهم معها على الوجه الذي يقول فيه القائل :

فإذا تنبه رعته وإذا غفا سلت عليه سيوفك الأحلام



وكيف لا يحقدون على هادمة أنصابهم وهازمة أحزابهم ؟ فتراهم لأضغانهم عليها يريدون أن يسبّوها فيسبوننا بها من غير أن يتبينوا حقيقتها أو حقيقتنا والقوم جهال ملْتَخُّون[1]من الجهل وحسبهم هذا......

أما الجهات الإدارية فيهمهما كل شيء، ويعنيها كل شيء، وكل شيء في المنطق الإداري محتمل الوقوع، ولو كان من القضايا التي لا تلازم بين طرفيها، ولو لم تظهر الإدارة في كثير من المواقف بتأييد الطرقية والتحيز لها لقلنا فيما ترمينا به هو حزم السياسة والسلام، وقد اطلعنا على كثير من تقاريرها السرية المتعلقة بنا، فرأينا العجب العجاب، ولسنا نلوم الإدارة على تحريها واحتياطها، وتشددها واشتراطها، بقدر مانلومها على جهل وَزَعَتها وأشراطها، ـ فعجيب والله ومؤلم والله ـ أن تعتمد في التحري علينا وعلى دروسنا ومحاضراتنا رجالاً لا يفقهون فقه اللغة العامية ومغازيها فضلاً عن العربية الفصحى ؛ ونحن قوم لساننا عربي فصيح نصرفه في وجوه القول المختلفة، ونديره على حقائق اللغة ومجازاتها ومترادفاتها ومشتركاتها، ونُسيمه في حكمها وأمثالها وسائر تصاريفها وأحوالها. أفيجوز في حكم الإنصاف أن تؤخذ التقارير عنا من قوم هذا شأنهم ؟ نقول " الجهد" فيفهمون "الجهاد" ونقول " الأساس" فيفهمون " السياسة
"، فإن قالت الإدارة إنهم محلّفون ( كما قال لي كبيرٌ إداري فاوضته في هذا الأمر ) فهي أول من يعلم أن التحليف قد يمنع من الكذب ولكنه لا يمنع أبداً من الجهل باللغة....

سمعنا تلك الكلمات وقرأناها وعلمنا أنها نتائج تقارير سرية تبذل فيها جهود وأموال، وعلمنا المغازي التي ترمي إليها والدوافع التي حملت عليها وفهمنا أنها استنباطات واختلاقات لا قيمة لها لأنه لا وجود لها، وإنما يراد بها التهويل والتضليل ومآرب أخرى ؛كما يهول على الأطفال بالغول وما لا حقيقة له، ونحن قد شببنا عن طوق الطفولة فلم نعر هذه الكلمات التفاتاً، ولا شغلتنا بجواب ولا أصغت منا صاغية، ولا صدتنا عن عمل، ولا أوهنت لنا عزيمة، ولا فلت لنا حدّاً، ولا بالينا بقائليها بالةً.

أما الطرقيون فلعلمنا أنهم رمونا بالكفر فكيف بما دونه ؟ وأما الجهات الأخرى فلعلمنا أن سبيلها الحجة والدليل، فلندعها حتى تقيم الدليل.

ولكن مع هذا كله يجب أن نقول هنا كلمة في حقيقة هذه الجمعية طالما قلناها وهي عملها مترجماً في سطر، ومداها محصوراً في شبر، كما يقال للشمس : هي الشمس، فيكون ظهورها هو علة تعيينها ونورها هو سبب تبيينها.

جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية، فهي بالصفة الأولى تعلم وتدعو إلى العلم وترغب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية لأنهما شيئان متلازمان وتدعو إليهما وترغّب فيهما وتنحو في الدين منحاها الخصوصي وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعباداته، لأن هذا هو معنى الإصلاح الذي أسست لأجله ووقفت نفسها عليه وهي تعمل في هذه الجهة أيضاً بوسائل علنية ظاهرة.

وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق التي حض الدين والعقل عليها لأنها من كمالهما، وتحارب الرذائل الاجتماعية التي قبّح الدين اقترافها وذم مقترفيها ؛ وسلكت في هذه الطريق أيضاً الجادة الواضحة.

وبهذه الصفة تعمل لترقية فكر المسلم بما استطاعت، وترشده إلى الأخذ بأسباب الحياة الزمنية، وتريه ما يتعارض منها مع الدين ومالا يتعارض.

فالجمعية ـ بهذا الوصف الحقيقي لها ـ أداة ممن أدوات الخير والصلاح، وعامل لا يستهان به من عوامل التربية الصالحة والتهذيب النافع، وعون صالح لأولي الأمر على ما يعملون له من هناء وراحة، تشكر أعماله ولا تنكر.

ولئن قالوا : إن هذه الجمعية فرقت الأمة... لنقولن: ومتى كانت هذه الأمة مجتمعة حتى يقال إن الجمعية فرقتها ؟

إن لأمة كانت فرقاً شتى كلها على الباطل والضلال، فجاءت جمعية العلماء فردت تلك الفرق إلى فرقتين، إحداهما على الحق والهدى، هذه هي الحقيقة، لا ما يهذي به قصار النظر صغار العقول .

والجمعية فيما وراء هذا مرتبطة بالعالم الإسلامي أفراداً وشعوباً بما يترابط به المسلمون من حقائق دينهم ومظاهره، وهذه ناحية ارتباط طبيعية ذاتية، وصلة اشتباك روحية فطرية يلتقي عليها المسلمون كلهم في مشارق الأرض ومغاربها، كما يلتقي العقلاء كلهم على معقول واحد من غير أن تتلاقى الأجسام أو تتناقل الأقدام أو تتراسل الأقلام.

وفيما عدا هذا فالجمعية جزائرية محدودة بحدود الجزائر، مربوطة بقانون الجزائر، لأن أعضاءها كلهم من أبناء الجزائر.

فهل فهم الخراصون ؟ لا يسرنا أن يفهموا، ولا يسوؤنا أن يجهلوا أو يتجاهلوا. اهـ







انتهى باختصار من مقدمة نشرة جمعية العلماء في الجزائر، بقلم العلاّمة محمد البشير الإبراهيمي.

[1] ـ التخَّ عليه الأمر : اختلط ، فهو ملْتَخٌّ. ويٌقال : سكرانُ ملتخٌّ : لا يفهم شيئاً لاختلاط عقله.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو تميم يوسف الخميسي ; 22 Feb 2010 الساعة 10:19 PM
رد مع اقتباس