أنين التائبين و بكاء الصالحين 2
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
- ومنهم من حدث له من خوفه من النار مرض ، ومنهم من مات من ذلك .
وكان الحسن يقول في وصف الخائفين : قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر اليهم الناظر فيقول : مرضى وما بهم مرض ، ويقول قد خولطوا و قد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر
عظيم .
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور ، فلما بلغ الى قوله تعالى" ان عذاب ربك لواقع - ماله من دافع " [الطور : 8 - 9] قال عمر :
قسما و رب الكعبة حق ، ثم رجع الى منزله ،فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون مرضه .
و كان جماعة من عباد البصرة مرضا من الخوف ولزموا منازلهم كالعلاء ابن زياد وعطاء السلمي ، وكان عطاء صاحب فراش عدة سنين .كانوا يرون أن بدء مرض عمر بن عبد العزيز
الذي مات فيه كان من الخوف .
وروى الامام أحمد عن حسين بن محمد عن فضيل عن محمد بن مطرف ، قال : حدثني الثقة ان شابا من الأنصار دخل خوف النار قلبه فجلس في البيت ،فأتاه النبي صلى الله
عليه وآله و سلم فقام اليه فاعتنقه ، فشهق شهقة خرجت نفسه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " جهزا صاحبكم فلذ خوف النار كبده " ورواه ابن المبارك عن
محمد بن مطرف بنحوه ، وروي من وجه آخر متصلا ،خرجه ابن أبي الدنيا .
حدثنا الحسن بن يحي ، حدثنا خازم بن جبلة بن أبي نضرة العبدي ، عن أبي سنان ، عن الحسن ، عن حذيفة ، قال : كان شاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فأتاه النبي صى الله عليه وعلى وآله وسلم فلما نظر اليه الشاب قام اليه
واعتنقه وخرّ ميتا ، قال النبي صى الله عليه وعلى آله وسلم : جهزوا صاحبكم ، فان الفرق من النار فلذ كبده ، والذي نفسي بيده لقد أعاذه الله منها فمن رجا شيئ
طلبه ، ومن خاف شيئا هرب منه " والمرسل أصح ، و خازم بن جبلة قال ابن مخلد الدوري الحافظ : لا يكتب حديثه
وقال حفص بن عمر الجعفي : اشتكى داود الطائي أياما ، وسبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار فكررها مرارا في ليلته فأصبح مريضا ، فوجدوه قد مات وراسه على لبنة . خرجه أبو
نعيم .
و خرج ايضا هو وابن ابي الدنيا وغيرهما من غير وجه قصة منصور بن عمار مع الذي مر به بالكوفة ليلا وهو يناجي ربه ، فتلا منصور هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و
أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة " [ التحريم : 6 ] قال منصور : فسمعت دكدكة لم اسمع بعدها حسا ومضيت ، فما كان من الغد رجعت ، فاذا جنازة قد اخرجت واذا عجوز ،
فسالتها عن الميت ولم تكن قد عرفتني ، فقالت هذا رجل لا جزاه الله خيرا مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله ، فتفطرت مرارته فوقع ميتا .
وروى ابن أبي الدنيا عن محمد بن الحسين ، حدثني بعض أصحابنا ، حدثني عبد الوهاب ، قال : بينا أنا جالس بين الحدادين ببلخ اذ مر رجل فنظر الى النار في الكور فسقط ،
فقمنا و نظرنا فاذا هو قد مات .
وباسناده عن البختري بن يزيد عن حارثة الأنصاري ان رجلا من العباد وقف على كور حداد وقد كشف عنه فجعل ينظر اليه ويبكي ، قال : ثم شهق شهقة فمات .
قال : وحدثت عن عبد الرحيم بن مطرف بن قدامة الرؤاسي ، أنبأنا أبي عن مولى لنا ، قال : لما مات منصور بن المعتمر صاحت امه : واقتيل جنماه ، ما قتل ابني الا خوف جهنم .
وروي من غير وجه ان علي بن فضيل مات من سماع قراءة هذه الآية : " ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليت نرد ولا نكذب بآيات ربنا و نكون من المؤمنين "[ المؤمنين 27] .
و قال يونس بن عبد الأعلى : قرأ عبد الله بن وهب كتاب الأهوال فمرّ في صفة النار فشهق فغشي عليه فحمل الى منزله وعاش أياما ، ثم مات رحمه الله .
المصدر :
التخويف من النار و التعريف بحال دار البوار فصل [ من حدث له من خوفه من النار مرض ]
ص 41 - 43 للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله .
|