ثلاثون موضعا ترشد إلى إخلاص التوحيد من سورة الفاتحة

[يوسف بن عومر]

ثلاثون موضعا من الفاتحة ترشد إلى إخلاص التوحيد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، على نبيه العربي القرشي الهاشمي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله، ورضي الله عن صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الشوكاني رحمه الله - في معرض جوابه عن مسائل حول التوحيد - : (( هذه فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مصل في كل صلاة، ويفتتح بها التالي لكتاب الله والمتعلم له، فإن فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعا)) قلت: وسأذكرها مختصرة مذاكرة لأخواني والله المستعان :
الموضع الأول: قوله تعالى: ((بسم الله)) وهو أن الجار والمجرور متعلق بمقدر متأخر ليفيد اختصاص البداية باسم الله تعالى، وفي هذا ما لا يخفى من إخلاص التوحيد.
الموضع الثاني: في لفظ: (( الله)) والإشارة فيه إلى إخلاص التوحيد: تفرده سبحانه بوجوب الوجود، وعلى القول بالاشتقاق يكون أدل على معنى الالوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
الموضع الثالث: الإضافة في: (( اسم الله )) فيه دلالة على اختصاصه بجميع المحامد وفيه إشارة إلى إخلاص التوحيد.
الموضع الرابع: في قوله تعالى: (( الرحمن )) الاختصاص المستفاد من دخول آلة التعريف على المشتقات، أو لمجرد التعريف إذا دخل على الأسماء والصفات، وهذا فيه إشارة إلى إخلاص التوحيد.
الموضع الخامس: التعريف في (( الرحيم )) والكلام فيه كالكلام في (( الرحمن )).
الموضع السادس: التعريف في (( الحمد )) فإنه يفيد أن كل حمد له لا يشاركه فيه غيره، وفي هذا أعظم دلالة على إخلاص توحيده.
الموضع السابع: لام الاختصاص في (( لله )) فلا ثناء إلا عليه ولا جميل إلا منه ولا تعظيم إلا له، وفي هذا من أدلة إخلاص التوحيد ما لا يقادر قدره.
الموضع الثامن: قوله تعالى: (( رب )) فإن معناه اللغوي مشعر أتم إشعار بإخلاص توحيده هذا باعتبار معناه الإفرادي.
الموضع التاسع: الإضافة في قوله (( رب العالمين )) فإن كونه رب العالمين يدل على إخلاص التوحيد أبلغ دلالة من اعتبار معناه الإفرادي كما يعلم.
الموضع العاشر: في لفظ (( العالمين )) فإن العالم اسم لكل من عدا الله عز وجل، فيدخل فيه كل من سوى الله فلا رب غيره، وكل من عداه مربوب، وفي هذا أبين إشارة إلى إخلاص توحيده.
الموضع الحادي عشر: التعريف في قوله (( العالمين )) فإنه يفيد زيادة الاختصاص كما تقدم.
الموضع الثاني عشر: ورود لفظ (( العالمين )) في صيغة الجمع زيادة تأكيد وتقرير لمعنى العالم.
الموضع الثالث عشر: في (( الرحمن )) وتقدم الكلام فيه.
الموضع الرابع عشر: في (( الرحيم )) وتقدم الكلام فيه أيضا.
الموضع الخامس عشر: في قوله تعالى: (( مالك )) فإن لفظ مالك ومعناه الإفرادي يفيد استحقاقه لإخلاص توحيده لمن تدبر.
الموضع السادس عشر: الإضافة في قوله: (( مالك يوم الدين )) فإن من كان له الملك في هذا اليوم الذي هو يوم الجزاء لكل العباد، فيه إشارة إلى إخلاص توحيده لمن تدبر.
الموضع السابع عشر: في لفظ ((الدين )) ولا نجاة فيه إلا لمن أخلص التوحيد.
الموضع الثامن عشر: آلة التعريف في (( الدين )) فإن ذلك المُلك إذا كان في يوم هو يوم الدين الذي يشمل كل دين كان من له هذا الملك حقيقا بأن يخلص العباد توحيده.
الموضع التاسع عشر: في قوله تعالى: (( إيّاك نعبد )) فإن تقديم المعمول يفيد اختصاص العبادة به، ومن اختص بالعبادة فهو الحقيق بإخلاص توحيده.
الموضع الموفي عشرين: مادة الفعل (( نعبد )) يفيد إخلاص توحيده، إذ معناه: كمال المحبة مع تمام الخضوع ولا يكون إلا لله سبحانه.
الموضع الحادي والعشرون: المجيء بنون الجماعة الموجبة لكون هذا الكلام صادرا عن كل من تقوم به العبادة.
المواضع: الثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون: في قوله (( إيّاك نستعين )) من تقديم المعمول، ومادة ((نستعين))، ومجيء النون وتقرير هذا الكلام في هذه الدلالات كتقريره في قوله تعالى: (( إيّاك نعبد )).
الموضع الخامس والعشرون: في قوله : (( اهدنا )) فإن طلب الهداية منه وحده باعتبار كون هذا الفعل واقعا بعد الفعلين الذين تقدم معمولهما فكان له حكمهما.
الموضع السادس والعشرون: مجيء نون الجماعة في (( اهدنا )) وتقرير الكلام فيها كما تقدم في (( نعبد )) و (( نستعين )).
الموضع السابع والعشرون: في قوله تعالى: (( اهدنا الصراط المستقيم )) فالهداية إلى الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه يحتاج إلى إخلاص توحيده، والصراط المستقيم يتضمن أمورا خمسة: الاستقامة، والوصول، والقرب، والسعة للمارين، وتعينه طريقا للمقصود.
الموضع الثامن والعشرون: قوله تعالى: (( صراط الذين أنعمت عليهم )) فمن أراد أن يهديه الله تعالى صراط المنعم عليهم كان حقيقا عليه ألا يشتغل بغيره ولا ينظر إلى ما سواه لأنه سبيل الفوز والسعادة بنعم الله سبحانه وتعالى، فأفاد هذا إخلاص توحيده.
الموضع التاسع والعشرون: قوله تعالى: (( غير المغضوب عليهم )) فإن النجاة من غضب الله تعالى والفوز برضا رب العالمين يحصل بها البهجة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ولا الوقوف على حقيقته، فإذا كان المتفضل بها هو الله سبحانه فهو المستحق لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة.
الموفي ثلاثين: في قوله تعالى: (( ولا الضالين )) فإن الظفر بالهداية والنجاة من الضلال والغواية هو أصل الوصول إلى النعيم المقيم ولما كان المتفضل هو الله دل ذلك على إخلاص توحيده.
قال الشوكاني رحمه الله: (( وهذا الاستخراج لما ذكرناه من الأدلة هو على مقتضى اللغة العربية وبحسب ما يقتضيه علومها التي دونها الثقات ورواها العدول الأثبات، وليس هذا من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه والزجر لفاعله، بل من الفهم الذي يعطاه الرجل في كتاب الله كما أشار إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كلامه المشهور، وما كان من هذا القبيل فلا يحتاج فيه إلى سلف، وكفى بلغة العرب وعلومها المدونة بين ظهراني الناس وعلى ظهر البسيطة سلفا))أهـ.
هذا ما ذكره العلامة الفهامة المحقق: محمد بن علي الشوكاني رحمه الله (ت: 1250هـ) في كتابه: (( الفتح الرباني )) في ( ج1/ ص: 188-189-190-191) ط1، مكتبة الجيل الجديد اليمن- صنعاء، بتحقيق : محمد صبحي حلاق.
وتم ذلك بتصرف مني للتقريب دون إخلال إن شاء الله تعالى. في صبيحة يوم الإثنين إحدى عشر جمادى الآخر من سنة أربعة وثلاثين بعد الأربعمائة والألف من هجرة النبي المختار عليه أفضل الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين.

وكتب:
أبو الحارث يوسف بن عومر
بلدية أبي بكر- سعيدة -