نـحـن كـمـا نـحـن
بسم الله الرحمن الرحيم
نـحـن كـمـا نـحـن
الحمد لله ربّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
الدعوة السلفية ,هي دعوة الأنبياء و الرسل , و عقيدتها ثابتةٌ راسخة ,و هي مستقرة في نفوس أصحابها , خالدة إلي قيام الساعة ,و هي محفوظة بحفظ الله لها, و صالحة لكل زمان و مكان ,و لا تصلح حياة القلوب إلا بها ,و لم يتطرّق إليها التحريف و التبديل, أو الزيادة أو النقص .
و هذه الدعوة المباركة ثبتت أمام التحديات و الضربات المتتالية التي يقوم بها أعداء الإسلام مِن الكفار و المنافقين و المبتدعين و غيرهم مِن العصاة و الفسَّاق مِن المسلمين المنحرفين .
قال تعالى :" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله مُتّم نوره و لو كره الكافرون "
و ما قاله النبي – صلى الله عليه و سلم – معلماً و مرشداً في زمانه , ما زال محفوظاً إلى يومنا هذا , و سيبقى إلى يوم القيامة , لأنها دعوة أرادها الله – عزّ و جلّ – لنبيه – صلى الله عليه و سلم – و لأمّته مِن بعده إلى قيام الساعة , و هذا الفضل يعود لله- تبارك و تعالى – ثم لعلماء هذه الدعوة.
و هي دعوة متميزة في عقيدتها و منهجها و أخلاقها و سلوكها و آدابها , فلا مكان فيها للاضطراب و التناقض
و اللّبس , لأنها وحي مِن عند الله – عزّ و جلّ – لا يأتيه الباطل مِن بين يديه و لا مِن خلفه .
قال تعالى :" و لو كان مِن عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً "
و كتب الله – عزّ و جلّ – لهذه الدعوة النجاح و الاستمرارية إلى قيام الساعة , فحفظها مِن الهُراء و الشبهات و التخرّصات , فلا تعقيد فيها و لا التواء , فهي واضحة , و معانيها بيّنة , و هي بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
و أما العقائد و الدعوات الأخرى التي خالفت عقيدة و دعوة الأنبياء و الرسل , لم يَكتب اللهُ – عزّ و جلّ – لها النجاح و الاستمرارية , لأنها تحكمها الأهواء و العقول , فهي أوهام و تخر صات , و بعضها يبطل بعضا , و أهلها في غاية التناقض , بل تجدُ الواحد منهم متناقضاً مع نفسه , و لهذا قال بعضُهم :" لو اجتمع عشرةُ نصارى لتفرقوا عن أحدَ عشرَ قولاً , و قال آخر : لو سألتَ بعضَ النصارى و امرأتَه و ابنَه عن توحيدهم , لقال الرجلُ قولاً , و امرأتُه قولاً آخر , و ابنُه قولاً ثالثاً "
( الجواب الصحيح 2/ 155 )
بل إنهم أنفسهم لا يتفقون على أصولهم , بل إنّ الفرقة الواحدة مِن هذه الدعوات , لا يتفق أفرادها كلَّ الاتفاق على أصل مِن أصولهم , بل لا يجتمع اثنان مِن رؤسائهم على أمر واحد في الدين .
فهذه العقائد و الدعوات الباطلة لا تمتلك سِمة الخلود و الاستمرارية , و إنْ عظُمت و استحسنت , فهي قابلة للزوال و الفناء , لأنها مِن صنع البشر و زبالات أذهانهم , و عقولهم القاصرة , و هي لم تتأسس على الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره من الله .
و ما تصدّع كيان الأمة , و تفرقت كلمتها , وتسلّط الأعداء عليها , إلا بانحرافها عن عقيدتها و فساد منهجها , فلم يسْلَم أهلها مِن اتّباع الهوى , و التخبط في توزيع الولاء و البراء , و المحبة و البغضاء , فترتب على ذلك التشتت ,و التشرد, و الضياع , فلا يفرّقون بين مَنْ يوالون و مَنْ يعادون .
فهذا الانحراف في العقيدة و المنهج , نتج عنه الانحراف في السلوك و الأخلاق و المعاملة , فلا أمن , و لا سعادة في الدارين , و لا عزّة و لا كرامة لأهلها , لأنهم طلبوا العزة مِن غير العزيز ,و التجأوا إلى غير الله مِن البشر.
قال تعالى :" و اتخذوا مِن دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً "
و قال تعالى :" الذين يتخذون الكافرين أولياء مِن دون المؤمنين , أيبتغون عندهم العزة , فإنَّ العزة لله جميعاً "
و نحن أهل السنة و الجماعة , أكثر الناس , و أحرصهم على التمسك بالكتاب و السنة بفهم سلف الأمة , و أبعدهم عن التغيير و التبديل , و الحيرة و الاضطراب و التخبط و التناقض .
و ما اجتمعت قلوبنا, و حبنا لبعضنا البعض إلا بتمسكنا بعقيدتنا و سنة نبينا – صلى الله عليه و سلم - .
قال الإمام الزهري – رحمه الله - :" كان مَنْ مضى مِنْ علمائنا يقول : الاعتصام بالسنة النجاة "
( مجموع الفتاوى 4 / 57 )
و قال أبو بكر المروذي – رحمه الله - :" قلت لأبي عبد الله : مَنْ مات على الإسلام و السنة مات على خير , فقال لي : اسكت , مَنْ مات على الإسلام و السنة مات على الخير كلّه "
( المناقب لابن الجوزي ص 180 )
و رحم الله أئمة هذه الدعوة و علمائها و مشايخها . مع ما تعرضوا له مِن الفتن و المحن و الابتلاءات إلا أنَّ الله – عزّ و جلّ – عصمهم مِن هذا كله .
فهذا الإمام أحمد , و شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيم و شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب و الشيخ الألباني و الشيخ مقبل الوادعي ماتوا على صحة المعتقد و سلامة المنهج , بلا تبديل و لا تغيير .
و رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية عندما اقتِيدَ إلى السجن , فقال كلمته المشهورة " ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنَّتي و بستاني في صدري,أين رحتُ فهي معي لا تفارقني,أنا حبسي خُلوة, و قتلي شهادة , و إخراجي مِن بلدي سياحة "
( ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 402 )
و قال أيضا :" إنّ في الدنيا جنة مَنْ لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة "
( الوابل الصيب لابن القيم ص 69 )
قال تعالى :" يُثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة "
قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسير الآية :" يُثبتهم الله في الحياة الدنيا عند وُرود الشبهات بالهداية إلى اليقين , و عند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة , على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس و مراداتها "
( تيسير الكريم الرحمن ص 425 )
فعقيدتهم واحدة , و منهجهم واضح ثابت لا يتغير , فسَلِموا بذلك مِن التشتت و التشرد و الضياع , و بذلوا كل غال و رخيص في سبيل تثبيت هذه الدعوة , و توحيد دعائمها , غير مبالين بما يصيبهم مِن أعدائهم , فهم بحق أهل التقوى و الإيمان.
و نحن و لله الحمد مِن طلاب و دعاة هذه الدعوة السلفية المباركة , عقيدتنا هي عقيدتهم , و منهجنا هو منهجهم , وقد تعرضنا للفتن و المحن و الابتلاءات , و عُرِضت علينا المناصب و الإغراءات , و لكنّ الله عصَمنا مِن هذا كلّه , فالفضل لله – عزّ و جلّ – ثم لعلمائنا و مشايخنا الذين قاموا بواجب العلم و الدعوة و الصبر على طلابهم , و ترفقوا بهم , حتى أثمرتْ دعوتُهم , و ها هي آثارُهم في شتى بِقاع العالم , علماً و تعليماً , و دعوة , و ندعو الله – عزّ و جلّ – أنْ يُميتنا على ما نحن عليه مِن صحة المعتقد و سلامة المنهج .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
سمير المبحوح
20 / صفر / 1431 هـ
|