راموا البروز قبل النضوج
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
عن أبى أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) ... أخرجه ابن المبارك فى الزهد ومن طريقه اللالكائى والطبرانى وغيرهم .
قال ابن المبارك فى " الزهد " الأصاغر : أهل البدع
فالأصاغر هم أهل البدع والأهواء الذين يستفتون ولا علم عندهم ، كما دل على ذلك حديث " إنتزاع العلم ".
والعلماء هم الأكابر وإن كانوا صغار السن ، قال ابن عبد البر فى " جامع بيان العلم " : الجاهل صغير وإن كان شيخاً ، والعلم كبير وإن كان حدثاً ، واستشهد بقول الشاعر :
تعلم فليس المرء يولد عالماً ***** وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ***** صغير إذا التفت عليه المحافل
فينبغى على طلاب العلم أخذ العلم عن أهل التقى والصلاح المتبعين للسلف ، فإن البركة معهم ، كما جاء فى حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( البركة مع أكابركم ) ... ابن حبان وغيره .
وقد أشار السلف الأول إلى هذه الدلالة التى تنقذ من الجهالة ، وتحمى من طبقها من الضلالة .
قال التابعى الجليل محمد بن سيرين رحمه الله :
" إن هذا العلم دين فانظروا عمن يأخذون دينكم " رواه مسلم فى المقدمة .
وذلك لأن هذا العلم يحمله العدول ، فينبغى أن يؤخذ عنهم ، كما قال أبو موسى عيسى بن صبيح : قد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( يحمل هذا العلم من خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وانتحال المبطلين ) ... حسن بشواهده .
ولذلك ينبغى التمييز بين علماء أهل السنة وأهل البدع كما قال محمد بن سيرين رحمه الله : " لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنا قالوا : سموا لنا رجالكم ، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم ، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " .. مسلم فى مقدمة صحيحه .
وقد نبه أهل العلم فى مصنفاتهم على هذه النكتة حماية لعدة المستقبل كى لا تصرع فى أحضان الأدعياء الذين نبتت أشجارهم فى أرض جرداء ، فراموا البروز قبل النضوج ، و تزببوا قبل أن يحصرموا ، وتهافتوا على مقام العلم فى الفتيا والتأليف ، ولقد زاد فى تمرنهم إقبال العامة وأشباههم على مجالستهم تعجباً وإلقاء السمع إلى قصصهم طرباً .
قال الخطيب البغدادي " الفقيه والمتفقه " 2/96 : " ينبغى للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة ، وعرف بالستر والصيانة " .
فينبغى على طلاب العلم الشرعى التنبه على حقيقة الأمر ، فيعرفون عمن يأخذون دينهم ، فلا يلتمسونه عند أهل البدع ، فيضلونهم وهم لا يشعرون .
والله المستعان ...
|