ويروى: قد أقامها.
2- معنى الإخبال: يقال أخبلتُ فلانا: إذا أعرته ناقةً يركبها، أو فرسا يغزو عليه، قال زهير:
هنالك إن يُسْتَخْبَلوا المالَ يُخْبِلوا *** وإن يُسألوا يُعطوا وإن يَيسَروا يُغلوا
ومعنى: ييسروا يُغلوا أي: أنهم إذا قامروا بالميسر يأخذون سمان الجُزُر، فيقامرون عليها لا ينحرون إلا غالية.
3- ولا يجوز: اسكن وزوجك، ولا: اذهب وربُّك في قوله تعالى: "اذهبْ أنت وربُّك فقاتلا"، إلا في ضرورة الشعر، عمر بن أبي ربيعة:
فـ "زُهْر" معطوف على المضمر في "أقبلت" ولم يؤكَّد ذلك المضمر، ويجوز في غير القرآن على بُعد: قُمْ وزيدُ.
والزُّهر: جمع زهراء، وهي البيضاء المشرقة، وتهادى: تمشي مشي الرويد الساكن، والنعاج: بقر الوحش، والملا: الفلاة الواسعة، وتعسَّفن: سِرنَ بغير هداية، وإذا مشين في الرمل كان أسكن لمشيها، لصعوبة ذلك.
4- قال – صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المرأة خُلقت من ضِلَع" متفق عليه، قال حاجب بن دينار ويقال: ابن ذبيان:
هي الضِّلَع العوجاءُ لستَ تُقيمها *** ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارها
أتجمع ضَعفا واقتدارا على الفتى *** أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
5- الرَّغد: العيشُ الدَّارُّ الهَنِيُّ الذي لا غناء فيه، قال امرؤ القيس:
بينما المرءُ تَراه ناعما *** يأمَنُ الأحداثَ غي عيشٍ رَغَدْ
فائدة: حَيْثُ، وحِيثَ وحِيثِ، وحَوْثُ وحَوْثَ وحَوْثِ، وحاثَ، كُلُّها لغاتٌ.
6- الظُّلم: أصله وضع الشيء في غير موضعه، والأرض المظلومة: التي لم تُحفَرْ قطُّ، ثمَّ حُفِرت، قال النابغة:
وقفتُ فيها أُصَيْلالًا أُسائلُها *** عَيَّتْ جوابا وما بالرَّبْع من أحدِ
إلا الأواريَّ لأْيًا ما أُبيِّنها *** والنُّؤيُ كالحوض بالمظلومة الجَلَدِ
أصيلالا: تصغير أُصْلان جمع أصيل، والأواري: جمع آريّ، وهو محبِس الدَّابة، واللأي: الشدة والإبطاء، والنؤي: حفيرة حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر، والجَلَد: الأرض الصلبة.
ويسمى التراب الناشئ من الحفر: الظليم، قال الشاعر:
فأصبح في غبْراء بعد إشاحَةٍ *** على العيش مردودٍ عليها ظليمها
وإذا نُحر البعيرُ من غير داءٍ به فقد ظُلِم، قال ابن مقبل:
عاد الأذلَّةُ في دار وكان بها *** هُرْتُ الشَّقاشق ظلَّامون للجُزُرِ
واللَّبن مظلوم وظليم، إذا سُقِي قبل أن يروب ويُخرَج زُبْدُه، قال الشاعر:
وقائلةٍ ظلمتُ لكم سِقاءي *** وهل يخفى على العَكِدِ الظَّليمُ
العكد: السَّمين، ورجل ظلِّيم: شديد الظُّلْم.والظُّلم: الشِّرك، قال الله تعالى: "إنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عظيمٌ".
7- يقال في "هذه": "هذي"، و"هذِ"، و"هاتا"، و"تا"، قال الشاعر في "تا":
خليليَّ لولا ساكنُ الدَّار لم أُقِمْ *** بـ "تا" الدَّارِ إلَّا عابرَ ابنَ سبيلِ
فائدة:
قال ابن بطال – رحمه الله -: "وقدحكى بعض المشايخ أنَّ أهل السنة مجمعون على أنَّ جنَّة الخُلد هي التي أُهبِط منها آدمُ – عليه السَّلام – فلا معنى لقول من خالفهم" اهـ، يعني: قول المعتزلة والقدرية بأن الجنة التي أهبط منها هي جنة بأرض عَدَن. قلت: والدليل ما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: "حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ: لَهُ أَنْتَ الذي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ، قَالَ: قَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ الذي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ أتلومُني عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يخلقَني أَوْ قَدَّرَهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يخلقَني"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". رواه البخاري ومسلم وأحمد.
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرةَ الخُلد وهو في دار الخلد؟ فيُعكَس عليهم، ويقال: كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخُلد في دار الفناء؟! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مُسْكَة من عقل، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلًا!" اهـ.
قوله تعالى: " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)"
1- في قراءة العامة: "أزَلَّهما": أي أوقعهما في الخطيئة، وقرأ "حمزة": "أزالهما" من: الزَّوال، وقد قيل: إن معنى "أزلَّهما" من: زلَّ عن المكان، إذا تنحَّى، كقراءة "حمزة"، من الزَّوال، قال امرؤ القيس:
يُزلُّ الغلامَ الخِفَّ عن صَهَواتِه *** ويُلْوي بأثوابِ العَنيفِ المُثَقَّلِ
وفي ديوانه: يُطيرُ الغلامَ...
وقال – أيضا -:
كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حال مَتْنِه *** كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمُتنزِّلِ
كميت: أحمر اللون، وقيل: أملس المتن سهله، والحال: موضع اللبد من ظهره، والصفواء: الصخرة الملساء، والمتنزل: الموضع المنحدر.
2- في "الطبقات" لابن سعد: أن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه – وُجِد ميِّتا في مُغتسله وقد اخضرَّ جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدًا:
قد قتلنا سيِّد الخَزْ *** رَجِ سَعْدَ بنَ عُبادهْ
ورميناه بسَهْمَيْـ *** ـنِ فلم نُخْطِ فُؤادَهْ
3- المتاع: ما يُستمتع به من أكل ولُبس، وحياة وحديثٍ، وأُنس، وغير ذلك، ومنه سُمِّيت مُتعة النِّكاح، لأنها يُتمتَّع بها، وأنشد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت:99هـ) حين وقف على قبر ابنه أيُّوب إثر دفنه:
وقفتُ على قبرٍ غَريبٍ بقَفْرَةٍ *** متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ مفارقِ
4- الحينُ: الوقت البعيدُ، فحينئذٍ تبعيدٌ من قولك: الآن، قال خُويلِد بن مرَّة أبو خِراش الهذَلي:
لقِف الحوضَ لَقْفا: أي تهوَّر أسفله واتَّسع، كابي الرَّماد: عظيم الرَّماد، والمُنهِل: يعني أنهل إبله، أي: سقاها أوَّل سقيةٍ.
وربَّما أدخلوا التاء على "حين"، قال أبو وَجْزَةَ يزيد بن عبيد السعدي المدني الشاعر الثقة (ت:130هـ):
العاطفون تَحينَ ما من عاطفٍ *** والمُطعمون زمان أين المُطعمُ
ويأتي الحين في اللغة بمعنى: المدَّة، والساعة، والقطعة من الدَّهر، والأجَل، والسَّنة، وستة أشهر، وغدوة وعشِيًّا، واسمٌ للوقت،
وحان حينُ كذا: أي قَرُبَ، قالت بُثَيْنَة بنت حبأ بن ثعلبة، صاحبة جميل، ترثيه:
وإنَّ سُلُوِّي عن "جميلٍ" لساعةٌ *** من الدَّهر ما حانتْ ولا حان حينُها
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "ولم يقصدْ إبليس – لعنه الله – إخراجه منها، وإنما قصَد إسقاطه من مرتبته، وإبعاده كما أُبعِد هو، فلم يبلغ مقصِده، ولا أدرك مراده، بل ازداد سُخْنةَ عينٍ، وغيظَ نفسٍ، وخيبَةَ ظنٍّ، قال الله جلَّ ثناؤه: "ثمَّ اجتباهُ فتاب عليْه وهَدى"، فصار - عليه السَّلام – خليفةَ الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره، فكم بيْن الخليفة والجار؟"اهـ. قلت: فمن حاول إسقاط الأنبياء والعلماء من الصحابة وغيرهم ففيه شبه كبير بإبليس اللعين والله أعلم.
وقال - رحمه الله -: "وقال بعض علمائنا: في قوله تعالى: "إلى حِينٍ" فائدةُ بشارةٍ لآدم – عليه السَّلام – ليعلم أنه غير باقٍ فيها، ومنتقِلٌ إلى الجنَّة التي وُعد بالرُّجوع إليها، وهي لغير آدم دالَّة على المعاد فحَسْبُ، والله أعلم"اهـ.
قوله تعالى: "فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)"
1- قوله تعالى: "فتاب عليه" فذكر آدم - عليها السلام - ولم يذكر حوَّاء – عليها السلام – فقيل: إنَّه مثلُ قوله تعالى: "وإذا رأوا تجارةً أو لهوا انفضُّوا إليها" أي: التجارة، لأنها كانت مقصودَ القوم، فأعاد الضَّمير عليها، ولم يقلْ: إليهما، وقال عمرو بن أحمر الباهلي:
رمَاني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي *** بريئًـا ومن فوقِ الطَّوِيِّ رماني
ويروى: ومن أجل الطوي، ويروى: ومن جُول الطوي، والجُول: جدار البئر، والطوي: هي البئر المطوية بالحجارة.
وفي التنزيل: "واللهُ ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه" فحُذِف إيجازا واختصارا.
2- وأدغم أبو عمرو في رواية السُّوسِي الهاءَ في الهاءِ من قوله: "إنَّه هُّوَ" وأجاز سيبويه حذف الواو الواقعة لفظا بين الهاءين، وأنشد للشَّمَّاخ بن ضرار الذُّبياني:
له زَجَلٌ كأنَّهُ صَوْت حادٍ *** إذا طلب الوَسيقَةَ أو زَميرُ
الزَّجل: صوت فيه حنين وترنُّم، والوسيقة: أنثى الحمار، الزمير: المزمار.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "اعلمْ أنَّه ليس لأحد قُدرة على خلق التَّوبة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بخلق الأعمال، خلافًا للمعتزلة ومَن قال بقولهم، وكذلك ليس لأحدٍ أن يقبَل توبةَ مَن أسرف على نفسه، ولا أن يعفُوَ عنه، قال علماؤنا: وقد كفرت اليهود والنَّصارى بهذا الأصل العظيم من الدِّين، اتَّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله جلَّ وعزَّ، وجعلوا امن أذنب أن يأتي الحَبْرَ أو الرَّاهب، فيُعْطيه شيئًا، ويحطَّ عنه ذنوبه، افتراءً على الله، قد ضلُّوا وما كانوا مهتدين" اهـ.
قوله تعالى: " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)"
1- قد يُطلق اسم الثَّمن على ما لم يكن ثمنا، قال عمر بن أبي ربيعة:
إن كنتَ حاولتَ ذنبا أو ظَفِرتَ به *** فما أصبتَ بترك الحجِّ من ثمنِ
ويروى: حاولت دنيا، ويروى: فما أخذت.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله – في قوله تعالى: " وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)" قال: "وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فَعَل فِعْلَهم، فمن أخذ رِشْوةً على تغير حقٍّ أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداءِ ما علِمه، وقد تعيَّن عليه حتَّى يأخذ عليه أجرًا فقد دخل في مقْتَضى الآية، والله أعلم ، وقد روى أبو داود عن أبى هريرة قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلَّم علما ممَّا يُبْتغى به وجهُ الله - عزَّ وجلَّ - لا يتعلَّمه إلَّا ليُصيب به عرضًا من الدُّنيا لم يجدْ عَرف الجنَّة يوم القيامة" يعني: ريحها" اهـ.
قوله تعالى: " وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)"
1- الَّبْس: الخلط، لَبَستُ عليه الأمرَ ألبِسه: إذا مزجتَ بيِّنَه بِمُشْكِلِه، وحقَّه بباطِلِه، قال الله تعالى: "وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ"، وفي الأمر لُبْسة، أي: ليس بواضح، ومن هذا المعنى: قولُ عليِّ رضي الله عنه للحارث بن حوط: "يا حارثُ إنَّه مَلبوسٌ عليك، إنَّ الحقَّ لا يُعرفُ بالرِّجال، اِعرف الحقَّ تعرفْ أهلَه".
وقالت الخنساء أم العباس تماضر بنت عمرو بن الشَّريد رضي الله عنها:
ترى الجليسَ يقولُ الحقَّ تَحْسَبُهُ *** رُشدا وهيهاتَ ما به التبسَ
صدِّقْ مقالته واحْذرْ عداوتَه *** والبِسْ عليه أمورا مثل ما لَبَسا
إذا ما الضَّجيع ثنى جِيدها *** تَثَنَّتْ عليه فكانت لِباسا
وقال الأخطل:
وقد لبست لهذا الأمر أعصُرَه *** حتى تجلَّل رأسي الشّيبُ فاشتعلا
واللَّبُوس: كلُّ ما يُلبَس من ثياب ودِرع، قال الله تعالى: "وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ"، ولابستُ فلانا حتى عرفتُ باطنه، وفي فلانٍ مَلبَس، أي: مستمتَعٌ، قال امرؤ القيس:
ألا إنَّ بعد العُدْم للمرء قِنْوة *** وبعد المَشيبِ طولَ عُمرٍ ومَلبسا
القنوة: ما اقتنيتَ من شيء فاتَّخذتَه أصلَ مال.
ولِبْسُ الكعبة والهودج: ما عليها من لِباس، بكسر اللام.
2- الباطل في كلام العرب: خلاف الحقِّ، ومعناه: الزَّائل، قال لبيد:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ *** وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
قلت: وهي أصدق كلمة قالها شاعر.
وبطَل الشيءُ يبطُل بُطْلا وبُطولا وبُطلانا، وأبطلَه غيره، ويقال: ذهب دمُه بُطْلا، أي: هَدْرا، والباطل: الشيطان، والبَطَل: الشُّجاع، سُمِّي بذلك، لأنه يُبطِل شجاعة صاحبه، قال النابغة:
لهم لِواءٌ بأيدي ماجدٍ بطَلٍ *** لا يقطع الخَرْقَ إلا طرفُه سامي
ويروى: بكفِّي ماجد.
والمرأة بطلة: وقد بَطُل الرَّجل – بالضَّمِّ – يبْطُل بُطولَةً وبَطالةً، أي: صار شجاعا، وبَطَل الأجيرُ – بالفتح – بِطالةً، أي: تعطَّل، فهو بطَّالٌ.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله – في قوله تعالى: " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" قال: "ودلَّ هذا على تغليظ الذَّنب على مَن واقَعَه على عِلم، وأنَّه أعصى من الجاهل".
ويروى: تظل الطير تتبعه.
المدموم - بالدَّال المهملة -: الأحمر وهو المراد هنا.والمدموم الممتلئ شحما من البعير وغيره، ويقال: هما ضربان من البرود، قال ابن فارس: والعقل من شِيات الثياب: ما كان نقشه طولًا، وما كان نقشه مستديرا فهو الرَّقم.
موعظة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "اعلم - وفَّقك الله تعالى - أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البِرِّ لا بسبب الأمر بالبِرّ، ولهذا ذمَّ اللهُ تعالى في كتابه قومًا كانوا يأمرون بأعمال البِرِّ ولا يعملون بها، وبَّخهم به توبيخا يتُلْى على طول الدَّهر إلى يوم القيامة، فقال: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ " الآية.
وقال منصور بن إسماعيل، أبو الحسن التميمي الشافعي فقيه مصر (ت:336هـ) فأحسن:
إنَّ قوما يأمرُونا *** بالذي لا يَفعَلونا
لَمجانينُ وإن هُم *** لم يكونوا يُصرَعونا
وقال أبو العتاهية إسماعيل بن قاسم بن سويد العنَزي (ت:213هـ):
وصفتَ التُّقى حتَّى كأنَّك ذو تُقى *** ورِيح الخطايا من ثيابِك تَسْطَعُ
وقال أبو الأسود الدُّؤَلِي في الأبيات المشهورة عنه وتنسب إلى المتوكل الكناني، والأخطل، وسابق البربري، والطِّرِمَّاح:
لا تَنْهَ عن خلُقٍ وتأتي مثلَه *** عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
وابدأْ بنفسِك فانْهَها عن غَيِّها *** فإنِ انتهَتْ عنه فأنتَ حكيمُ
فهناك يُقْبَل إن وعظتَ ويُقْتَدَى *** بالقولِ منكَ وينفعُ التَّعليمُ
وقال أبو عمرو محمد بنُ جعفر بن محمد بن مطَر النيسابوري المحدث (ت:360هـ): حضرتُ مجلسَ أبي عثمان الحِيْرِي الزَّاهدِ، فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتَّذكير، فسكت حتَّى طال سكوتُه، فناداه رجلٌ كان يُعرفُ: بأبي العبَّاس: تَرى أن تقولَ في سكوتِك شيئا ؟ فأنشأ يقول:
قال: فارتفعت الأصواتُ بالبكاء والضَّجيج .
قال إبراهيم النَّخَعِيّ – رحمه الله -: "إنِّي لأكره القصص لثلاث آيات، قوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ "، وقوله: " لم تقولون ما لا تفعلون " ، وقوله: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ".
وقال سَلْمُ بن عمرو - رَاوِيَةُ بشَّار بنِ بُرد وتلميذُه -:
ما أقبحَ التَّزهيدَ مِنْ واعِظٍ *** يزهِّدُ النَّاسَ ولا يزهَدُ
لو كان في تزهيدِه صادِقًا *** أضحى وأمسى بيتُه المسجدُ
إنْ رَفَض الدُّنيا فما بالُه *** يستمنِح النَّاس ويسترفِدُ
والرِّزقُ مقسومٌ على مَنْ تَرَى *** يسعى له الأبيضُ والأسودُ
وقال الحسن لمطرِّف بن عبد الله: عِظْ أصحابك، فقال: إنِّي أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله ! وأيُّنا يفعل ما يقول ! ويودُّ الشَّيطانُ أنَّه قد ظفر بهذا، فلم يأمرْ أحدٌ بمعروفٍ ولم ينهَ عن منكرٍ.
وقال مالكُ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: سمعت سعيدَ بن جبير يقول: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتَّى لا يكون فيه شيءٌ، ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى عن مُنكر".
قال مالك"وصدَقَ، مَنْ ذا الذي ليس فيه شيءٌ" اهـ. فائدة:
وقال الزجاج: "العاقِلُ مَنْ عمِل بما أوْجب اللهُ عليه، فمَنْ لم يعملْ فهو جاهِلٌ".
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 10 May 2014 الساعة 10:57 PM
1- الصَّبر: الحَبس في اللُّغة، وقُتِل فلانٌ صبراً، أي: أُمسِك وحُبِس حتّى أُتلِف، وصًبَرتُ نفسي على الشَّيءِ: حبسْتُها، والمَصْبورَةُ التي نُهِي عنها في الحديث: هي المحبوسة على الموت، وهي المُجثَّمة، وقال عنترة بن شدَّاد:
فصبَرْتُ عارِفةً لذلك حرَّةً *** ترسو إذا نفْسُ الجبانِ تَطلَّعُ
2- قوله تعالى: "وإنها لكبيرة" اختلف المتأولون في عود الضمير من قوله: " وإنها "، فقيل: إن الصبر لما كان داخلا في الصلاة أعاد عليها كما قال: " والله ورسولُه أحقُّ أن يُرضوه " ولم يقل: يرضوهما لأنَّ رضا الرَّسول داخل في رضا الله عزَّ وجلَّ، ومنه قول حسَّان بن ثابت الأنصاري:
إنَّ شرخ الشَّباب والشَّعَر الأســ *** ــــود ما لم يُعاصَ كان جنونا
ولم يقل: يعاصيا، رد إلى الشباب لأنَّ الشَّعر داخل فيه.
وقيل: ردَّ الكناية إلى كلِّ واحد منهما لكن حذف اختصارا قال الله تعالى: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " ولم يقل: آيتين، ومنه قول ضابئ بن الحارث البرجمي:
فمَن يَكُ أمسى بالمدينة رحلُه *** فإنِّي وقَيَّار بها لغريب
وقال آخر:
لكلِّ همٍّ من الهموم سَعَهْ *** والصُّبحُ والمَسْيُ لا فلاح معَهْ
أراد: لغريبان، لا فلاح معهم.
3- قوله تعالى: "على الخاشعين" الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع. والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع. وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الإقواء هذا هو الأصل قال النابغة:
فائدة:
قال سفيان الثوري: سألتُ الأعمشَ عن الخشوع، فقال: يا ثوريّ أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ! سألتُ إبراهيمَ النخعيَّ عن الخشوع فقال: أُعيمِشُ ! تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ! "ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس ! لكنَّ الخشوع أن تَرى الشريف والدَّنيءَ في الحق سواء، وتخشع لله في كل فرض افترض عليك".
ونظر عمر بن الخطاب إلى شابٍّ قد نكَّس رأسَه فقال: "يا هذا ! ارفع رأسك فإنَّ الخشوع لا يزيد على ما في القلب".
وقال علي بن أبي طالب: "الخشوع في القلب، وأن تلين كفيك للمرء المسلم وألا تلتفت في صلاتك".
قال سهل بن عبد الله: " لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى: " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ".
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نقاق".
قوله تعال: "الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)"
1- والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى: " إني ظننت أني ملاق حسابيه "، وقوله: " فظنوا أنهم مواقعوها " ، قال دريد بن الصِّمَّة أبو قرة الجشمي من بني غزيَّة:
فقلتُ لهم: ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ *** سُرَاتُهُمُ في الفارسِيِّ المُسَرَّدِ
ويروى: علانيةً ظُنُّوا....
معنى مدجج: فارس شاكٍ، وسراتهم: رؤساؤهم وخيارهم، الفارسي المسرَّد: الدروع والسرد: تتابع الشيء، وكأنه أراد في الدروع تتابع الحلق في النسج.
وقال أبو دؤاد جارية بن الحجَّاج الحذاقي الإيادي أحد نُعَّات الخيل المجيدين:
قوله تعالى: "وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)"
1- وفى الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف.قال البصريون: التقدير: "يوما لا تجزى" فيه "نفس عن نفس شيئا" ثم حذف "فيه" كما قال الشَّاعر:
يومًا شَهِدناه سَليمًا وعامرًا *** قليلا سوى الطعن النِّهال نوافِلُه
أي: شهدنا فيه.
وقال الكسائي: هذا خطأ لا يجوز حذف " فيه "، ولكن التقدير: واتقوا يوما لا تجزيه نفس، ثم حذف الهاء، وإنما يجوز حذف "الهاء" لأنَّ الظروف عنده لا يجوز حذفها، وقال الفراء: يجوز أن تحذف "الهاء" و"فيه"، وحُكى المهدوِيُّ: أنَّ الوجهين جائزان عند سيبويه والأخفش والزَّجَّاج.
2- ومعنى: " لا تجزي نفس عن نفس شيئا "، أي: لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا تقول: جزى عنِّي هذا الأمر يجزي كما تقول قضى عنِّي، واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به قال الشاعر أبو حنبل جارية بن مرَّة الطائي:
فإنَّ الغدرَ في الأقوام عارٌ *** وأنَّ الحرَّ يَجْزَأُ بالكُراع
أي: يكتفي بها.
3- وقرى " تُجزئُ " بضم التاء والهمز، ويقال: جَزَى وأَجْزَى بمعنى واحد،وقد فرَّق بينهما قوم فقالوا: جَزَى بمعنى: قضى وكافأ، وأجزى بمعنى: أغنى وكفى، أجزأني اليءُ يجزئني، أي: كفاني قال الشاعر:
وأجزأتَ أمرَ العالمين ولم يكن *** ليُجزئَ إلَّا كاملٌ وابنُ كاملِ
4- قوله تعالى: "ولا هم ينصرون" أي: يعانون، والنَّصر: العون، والأنصار: الأعوان، ومنه قوله: "من أنصاري إلى الله " أي: من يضمُّ نصرته إلى نصرتي وانتصر الرَّجل: انتقم، والنَّصر: الإتيان يقال: نصرت أرض بني فلان أتيتها قال الرَّاعي النُّمَيْري:
إذا دخل الشَّهر الحرام فودِّعي *** بلادَ تميم وانصري أرضَ عامرِ
والنَّصر: المطر، يقال: نُصِرت الأرضُ: مُطِرتْ، والنَّصر: العطاء، قال:
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "مذهب أهل الحقِّ أنَّ الشفاعة حق وأنكرها المعتزلة وخلَّدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب، والأخبار متظاهرة بأنَّ مَن كان من العصاة المذنبين الموحّدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين.
وقد تمسك القاضي في الرد بشيئين:
أحدهما: الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى.
والثاني: الإجماع من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول، ولم يبدُ من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير، فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة".
قال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)"
1- قوله تعالى: "هَذِهِ الْقَرْيَةَ"، أي: المدينة سُمِّيَت بذلك لأنَّها تقََرَّت أي: اجتمعت، ومنه قَرَيْت الماء في الحوض، أي: جمعته، واسم ذلك الماء قِرى - بكسر القاف – مقصور، وكذلك ما قُرِيَ به الضَّيْفُ قاله الجوهري.
والمِقْرَاة للحوض، والقَرِيُّ لمسيل الماء، والقَرَا للظَّهر ومنه قول حميد الأرقط: من مخلَّع البسيط
لا خَطِل الرَّجْع ولا قَرونِ *** لاحِقِ بَطْنٍ بِقَرَا سَمِينِ
والمَقَارِي: الجِفَانُ الكِبَارُ قال : من الطويل
* عِظَامُ المَقَارِي ضَيْفُهُمْ لا يُفَزَّعُ *
ويروى: جارُهم بدل: ضيفُهم.
وواحد المَقَاري: مِقْرَاة، وكلُّه بمعنى الجمع غير مهموز. والقِرْيَة - بكسر القاف - لغة اليَمَنِ.
2- الباب يجمع أبوابًا وقد قالوا: أبْوِبَة، للِازدِوَاج، لمكان: أخبية، ليشبهه في السجع والوزن، قال تميم بن أُبَيّ بن مُقبل (ت: 37هـ) -وقيل: القُلاخ بن حُباب-: من البسيط
قال ابن قتيبة الدّينوري في "أدب الكاتب": "فجمعَ البابَ: أبوبةً، إذْ كان مُتبَعًا لأخبِيَةٍ، ولو أفرده لم يجز" اهـ.
3- "حِطَّةٌ" بالرفع قراءة الجمهور، وهو أولى من النَّصب في اللغة، لما حُكِيَ عن العرب في معنى: "بدَّل" التي بعدها، قال أحمد بن يحيى: يقال بدَّلتُه، أي: غيَّرتُه، ولم أُزِلْ عينَه.
و"أبدَلْتُه": أزلت عيْنَه وشخْصَه، كما قال أبو النَّجم العِجلي: من الرَّجز