منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 01 Jan 2015, 09:51 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي التَّنكيل بما جاء به ميلود الباتني من أباطيل في تعقُّبه على الشَّيخ الجليل (الحلقة الثَّانية)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
التَّنكيل بما جاء به ميلود الباتني من أباطيل في تعقُّبه على الشَّيخ الجليل
(الحلقة الثَّانية)

حجَّتان أخريان للمنتقد على عدم صحَّة الاستثناء وجوابهما
قال المنتقد (ص/12): «ومعلوم أنَّ استثناء الغضب في هذه المسألة العظيمة يرجع على أصل المسألة بالبطلان فكان باطلًا»، وهو قد كان افتتح نقده بمعنى هذا الكلام، وعلَّل هناك (ص/7) هذا الإبطالَ بأنَّه يُذهب من نفوس النَّاس هيبةَ المسألةَ وأثرَها في النَّفس، وزاد هنا أنَّه ما من سابٍّ إلَّا ويدَّعي الغضب والإغلاق، قال: «وفي الحقيقة فإنَّ الغضب والإغلاق غيرُ منضبطٍ عند النَّاس، فهم لا يفرقون بين الإغلاق ودونه، وهذا في مسألة الطَّلاق فكيف بمسألة الكفر..».
فتلخَّص أنَّه لا يصلُح الاستثناءُ عنده لأنَّه منافٍ لمبنى المسألة، ولأنَّه غير منضبط.
والجواب عن الأوَّل:
أنَّه دعوى مجرَّدة لم يُقم عليها دليلًا، ولو كان الحالُ كما يدَّعي للزم منه أنَّ استثناء غير المكلَّفين أصلًا من المجانين والصِّبيان منافٍ للمسألة من الأصل أيضًا.
والأحكام إنَّما تُتلقَّى من صاحب الشَّرع، وهو الَّذي رفع المآخذة عمَّن لا عقل له، فلا يصحُّ الاعتراض على ذلك بأنَّه منافٍ لمقصِده من تعظيمها، والتَّعظيمُ وإن كان شرعًا إلَّا أنَّه ينبغي أن يكون منضبطًا بالشَّرع، فلا يجوز تعظيم مسألةٍ شرعيَّة بمخالفة الشَّريعة وإلزام النَّاس ما لا يلزمهم، وقد ذكَّرني صنيعُه هذا صنيعَ رجل في الزَّمن الماضي اعترضَ على القاضي أبي الفضل عياضٍ رحمه الله في مسألة إيجاب الصَّلاة على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التَّشهد الأخير وإبطالِ الصَّلاة بتركها، وهو مذهبُ الشَّافعي رحمه الله، فأبطله عياضٌ في كتاب «الشِّفا»، فاعترض عليه ذاك المشار إليه وقال: إنَّ هذا منافٍ لمقصود عياضٍ من تعظيم الصَّلاة على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورفعِ شأنها، وقد كان المناسبُ لذلك أن يوافق الشَّافعي لا أن يخالفه وينكر قوله، فتكلَّم علماء ذلك الزَّمان في الردِّ على المعترض وبيان سخافة اعتراضه، وكان ممَّا قاله بعض من صنَّف في نقض اعتراضِه على ما حكاه المقَّري في «أزهار الرِّياض» (4/197): «حاشاه ثمَّ حاشاه ـ يعني عياضًا ـ أن يوافقكم على مثل هذا فيكون متلاعبًا بالدِّين عمدًا واعتمادًا، ويحرِّف الكلم عن مواضعه قولًا واعتقادًا».
فكذلك نقول: حاشا شيخَنا أن يغيِّر ما عرَف من الدِّين ويُلزم النَّاس بما لم يُلزمهم به ربُّ العالمين من أجل معنًى عرَض لكم لم تزنوه بميزان الشَّرع، ولا أجريتموه على ما يستقيمُ به الأصلٌ والفرع.
ووجهٌ ثالثٌ وهو أنَّه لو كان مآخذةُ من ليس أهلًا للمآخذة أدخل في تعظيم المسألة وإقامة حرمتها لكانت مآخذةُ المكرَه أولى، لأنَّ عقله معه، وهو قادرٌ على عدم التَّرخُّص، وإنَّما يترخَّص لنجاة نفسه من الهلاك أو الأذى الَّذي لا يُحتمل مثله، فلمَّا عذر بالاتِّفاق وبتسليمِ المنتقد نفسه كما تقدَّم عنه أوَّلًا يتبيَّن أنَّ عذر المعذور لا ينافي أصلَ المسألة ومبناها، بل هو الجاري مع قواعد الشَّرع وأحكامه في غير هذا الموضع.
وأمَّا حجَّته الأخرى فالجوابُ عنها أنَّا لا نسلِّم أنَّه غير منضبطٍ، بل هو منضبطٌ، وقد بيَّن الشَّيخُ ضابطه في الفتوى الَّتي نقلها المنتقدُ، وذلك قولُه: «وهو على غضبٍ شديدٍ لا يدري ما يقول ولا يعي، وإذا ذُكِّر لا يتذكَّر ولا يستحضره»، فهذا ضابطٌ واضح بيِّن: أن يُسأل عنه فلا يتذكَّره ولا يستحضره، وقد ذكر العلماء نظيره في السَّكران، فقالوا: هو الَّذي لا يدري ما يقول، لأنَّ الله تعالى قال: (حتَّى تعلموا ما تقولون) [النِّساء:43]، قال الحافظ في «الفتح» (9/390): «فإنَّ فيها دلالةً على أنَّ من علم ما يقول لا يكون سكرانًا»، فعلى وِزَانِ هذا يُضبط المغلَق عليه: إن كان لا يعلم ما يقول ولا يستحضره إذا أُخبر به فقد أُغلق عليه، وإن لا فلا.
ولو سلَّمنا أنَّه غير منضبط فإنَّ هذا لا أثر له في هذا النَّوع من المسائل، لأنَّه ممَّا يتعلَّق بديانة المرء، يُديَّن هو فيه، وأمرُه إلى الله، فمن كفَر في الظَّاهر حُكم بكفره في الظَّاهر، وقد يكون في الباطن بخلاف ذلك، ومن ظهر منه العذر الَّذي يخرجه عن حكم التَّكفير حُكم عليه بمقتضى العذر الظَّاهر وأمره إلى الله إن كان كاذبًا، ونظير هذا أن يقال: من شقَّ عليه استعمالُ الماء لمرض أو شدَّة برد فله أن يتيمَّم، ولا يقال إنَّ هذا غير منضبطٍ، لأنَّ من لم يشقَّ عليه سيترخَّص لأنَّ الجواب أنَّه مؤتمن على ذلك، وقد أنكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه التَّيمُّم عن الجنابة خشية أن يتوسَّع النَّاس فيه فقال: «لو أنَّا رخَّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمَّم»، فلم يوافقه الصَّحابة والأئمَّة عليه، بل قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (2/285): «وردُّ ابن مسعود تيمُّم الجنب لأنَّه ذريعةٌ إلى التَّيمُّم عند البرد لم يوافق عليه، لأنَّ النُّصوص لا تردُّ بسدِّ الذَّرائع».
نعم، في مقام القضاء قد يرى القاضي إجراء الحكم على من وقع فيه ولو كان معذورًا في الباطن، لئلَّا يتذرَّع النَّاسُ إلى الوقوع في المحظور بدعوى الإغلاق، وفرقٌ عظيمٌ بين مقام القضاء ومقام الفُتيا.


شبهة خامسة للمنتقد والكلام عليها
ثمَّ قال (ص14) بعد أن نقل كلامًا عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله مفاده أنَّه لا شهوة تدعو السَّابَّ إلى سبِّ الله تعالى ولا شبهة له في ذلك، وقال معقِّبًا: «لم يبق إلَّا أن يكون قلبه ليس فيه وقارٌ لله ـ جلَّ وعلا ـ أو مستخفًّا سفيهًا لا يرعى حرمة ولا ذمَّة، ومن هنا سهل عليه مثل هذا الجرم العظيم».
أقول: عليه في هذا الكلام مآخذتان:
الأولى: أنَّه قد ناقض نفسه به، لأنَّ مقتضاه أنَّه لا فرق بين الغاضب الَّذي أُغلق عليه وغير الغاضب في الحكم، وكلامُه الَّذي تقدَّم في كون الإغلاق غير منضبطٍ ومنافٍ لمبنى المسألة يقتضي أنَّه سلَّم بالفرق، لكن منع من اعتباره للمعنيين الَّذَين أبداهما، وقد كان عليه أن يُثبت صحَّة إحدى الطَّريقتين ويلتزمهما: إمَّا أنَّه لا فرق بين المغلَق عليه وغيره إذ لا حامل على السَّبِّ إلَّا الكفر فهو كفرٌ بإطلاق في حق المغلَق وغيره، وإمَّا أنَّ الإغلاق عذر لكن لمَّا لم يكن منضبطًا وكان ذريعة إلى الانفلاتِ كان حكمه حكم المختار.
الثَّانية: أنَّ كلام الشَّيخ تقيِّ الدِّين في حقِّ من يعي ما يقول وهو غيرُ مغلَق عليه، فإنَّه إن لم يكن له شبهةٌ ولا شهوةٌ تعيَّن أنَّه مستخِفٌّ، أمَّا الغاضب غضبًا أُغلق عليه بسببه فلا حامل له أصلًا على الفعل، بل صدر منه بغير إرادة ولا اختيار، فلا وجه لإلحاقه بالمستخِفِّ.
ثمَّ إنَّ دعوى أنَّ الحامل للمغلَق عليه مجرَّد الاستخفاف فقط لا برهان عليها، بل قد يكون الإنسان أَلِفَ سماع بعضِ الكلام فيجري على لسانه حال الإغلاق من غير إرادةٍ منه إليه، وهذا مشاهَدٌ لا ينكره إلَّا مكابرٌ للحسِّ معاندٌ لمقتضى الطَّبع.


فصل
ثمَّ تكلَّم عن إبطال إلحاق المسألة بطلاق الغضبان، وهو موضع مهمٌّ، فإنَّ في مثل هذه المضائق ـ أعني: الفوارقَ المؤثِّرة في الإلحاق وعدمه، والقياسَ وموجبه وما ينقضه ـ يتميَّز من فقِه مسالكَ العلم من غيره، ومن أحكم أصول الشَّرع ممَّن شدا منها ظواهرَ وألفاظًا لا يعي ما وراءها، وإلى المقصود فأقول:
قال المنتقد (ص/14): «وأمَّا قياس سابِّ الله على مسألة طلاق الغضبان في الإغلاق الَّتي ذكرها ابن القيِّم فهو قياسٌ فاسدُ الاعتبار، مع الفارق الكبير بينهما، فمن الفروق بينهما:
ـ أنَّ الطَّلاق في الإغلاق مختلفٌ فيه، فمنهم من يَرَ (كذا) وقوعه، وهم جمهور الفقهاء، بخلاف سابِّ الله جلَّ وعلا في الغضب، فلا نعلم فيه خلافًا بين السَّلف الَّذين ذكروا المسألة، إلَّا ما ذكره بعضُ المتأخِّرين.
ـ أنَّ الطَّلاق في الغضب فيه شهوةٌ تدعو إليه، وهو حبُّ الانتقام من هذه الزَّوجة الَّتي أغضبته أو نحو هذا، بخلاف سابِّ الله جلَّ وعلا فقد قدَّمنا بأنَّه لا شهوة تدعوه إليه».
فأنت ترى أنَّ غاية ما علَّل به فساد الإلحاق أمران:
الأوَّل منهما: أنَّه مختلَف فيه، وهذه إحدى العجائب، فأيُّ معنًى في الخلاف يوجب أن يكون مانعًا من الإلحاق، اللَّهم إلَّا الهوى واصطناع المعاني الفاسدة للاعتراض على الحقِّ البيِّن، فهذه كتب الأصول والجدل قديمها وحديثها، اعتنوا بذكر الأشياء القادحة في الإلحاق والمقتضية لفساد الإلحاق والقياس، وما علمنا أحدًا منهم ذكر هذا الفارق العجيب.
ثمَّ إنَّ قوله: «بخلاف سابِّ الله ـ جلَّ وعلا ـ في الغضب، فلا نعلم فيه خلافًا بين السَّلف الَّذين ذكروا المسألة» عجيبٌ أيضًا، فقد تقدَّم أنَّ مقتضى النُّصوص وكلام السَّلف العذر، وإذا صحَّ هذا في المكره بموافقته فالمغلَق عليه بالغضب أولى كما تقدَّم في كلام ابن القيِّم رحمه الله، ولو قيل: لا نعلم خلافًا للسَّلف في عدم تكفير المغلَق عليه لكان أقرب إلى واقع الحال، وقد صرَّح بذلك ـ أعني إجماعَ السَّلف على العذر في هذه الحال ـ شيخُ الإسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله كما سيأتي في محلِّه ـ إن شاء الله ـ. .
الثَّاني من المعنيين المانعين للإلحاق عنده أنَّ في الطَّلاق شهوةً حاملة عليه بخلاف الغضب، وهذا أيضًا من أفسدِ الكلام، لأنَّه إن كان طلَّقها لشهوةِ الانتقام فليس مغلَقًا عليه، بل له إرادةٌ يعي بها ما يفعل، وكلامُنا إنَّما هو في المغلَق عليه، ولا فرق حينئذ ـ أعني حالة الإغلاق ـ بين المطلِّق والسَّابِّ فكلاهما صدر منه القول بغير اختيارٍ ولا إرادةٍ ولا شهوةٍ، بل بغير علمٍ ولا درايةٍ منه أنَّه فعله أصلًا.
فإن قال: إنَّ كلامي هو في أصل الطَّلاق بغضِّ النَّظر عن حال المطلِّق فإنَّ له شهوة في الجملة بخلاف السَّاب، فيقال: إنَّ مراد شيخ الإسلام بالشَّهوة في الكلام الَّذي نقله عنه هو ما يقابل الشُّبهة، وهي شهوات النَّفس وميولُها إلى محبوباتها ورغباتها، وليس مراده معنًى من المعاني الَّتي تتعلَّق بها إرادةُ الفاعل أيًّا ما كان ذلك المعنى، فإنَّ هذا لا يخلو منه تصرُّفٌ من تصرُّفات النَّاس أصلًا، لا سبٌّ ولا غيره، بل تصرُّفات الوجود كلِّه من حيوانٍ وغيره إنَّما الحامل عليها هو المحبَّة، فلا حركة في الكون إلَّا والحامل عليها المحبَّة كما قرَّر ذلك شيخ الإسلام نفسُه في «قاعدة في المحبَّة» وفي غيره من تواليفه.
هذا مع أنَّنا لو سلَّمنا بهذا الفرق فليس هو مقتضيًا للفرق في الحكم، لأنَّ المعنى الجامع بينهما ـ وهو الإغلاق وفساد القلب وذهاب العقل ـ أقوى من المعنى الَّذي أبداه.
أمَّا قوله: إنَّه قياسٌ فاسد الاعتبار فدعوى مجرَّدة، ألقاها عارية عن البرهان، وإلَّا فإنَّ فساد الاعتبار ـ وهو من قوادح العلَّة ـ المرادُ منه أن يكون القياس في مقابلة النَّصِّ، ولم يُبد هو نصًّا واحدًا معارضًا للقياس المذكور، بل قد تقدَّم من كلام الأئمَّة: البخاري وابن القيِّم وابن حجر ما يدلُّ على أنَّ هذا القياس هو مقتضى النُّصوص.

هذا إذا كان يعي معنى «فساد الاعتبار» عند أهل الاصطلاح، وإلَّا كان مموِّهًا يضع الكلام في غير مواضعه، والله تعالى أعلا وأعلم.
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, ميلودالباتني, ردود


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013