إنشاط العُقَّال من التسليم والعِقال والشّيالة للرّجال.
الحمد لله وكفى، وصلى الله على المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى. وبعد:
فإني مذ عقلتُ، طرقت مسامعي كلمة يُتبعونها لكلّ ولي صُدِّر اسمه أو لقبه بالسيد أو سيدي فلان. فصارت ملازمة لها ملازمة الحاجب للعين، والموقد للقَيْنِ*. وهي قولهم: سيدي فلان (مسلمين ومكتفين) أو يُبدلونها بضرتها وهي (شَايْلَّاهُ بِيهْ).
أمّا الأولى فهي كلمة تعني تمام الاستسلام والانقياد لهذا الذي نصّبوه وليا، وذلك يستلزم قصدَه والتوجه إليه لتفريج الكربات ودفع النكبات وجلب الرغائب والمستحبات. ينفع ويضر ويُحلف به لعظمته، يُتقرب له بالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادات. (والله المستعان)
وإضافة لفظة (مكتفين) ومعناها مُقيّدين مُوثَّقين مكتوفين. وهذا للدلالة على البراءة من الحول والقوة وتمام الاستسلام لهذا الوليّ. وهكذا يكون الرجل أمام سيّده - هذا - كما يكون البعير المعقول أمام صاحبه، أو الأسير المكتوف بين يدي آسره.
والاسلام في حدّه وحقيقته هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
أمّا أن تُسلم لغير الله فهذا شرك بالله تعالى - والله المستعان - (على أننا لا نكفر قائلها (المعين) ولا نحكم عليه بالشرك تعيينا - مالم تتحقق في حقه شروط وتنتفي موانع فصلها أهل العلم ليس هذا مقامها - فليفهم)
والدليل على أن الاسلام لا يكون إلا لله تعالى هو:
قوله تعالى: (( فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )) [الحج 34]
وقوله تعالى: (( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ )) [الزمر 54]
وقوله تعالى: (( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )) [البقرة 128]
وقوله تعالى: (( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) [البقرة 133]
وقوله تعالى: (( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) [البقرة 136]
وقوله تعالى: (( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) [النمل 44]
وهكذا يتضح أن الأنبياء والمرسلين أخلصوا إسلامهم لله وأسلموا له وحده لا شريك له، وأوصوا بذلك وحثوا عليه، ودعوا أن يوفقهم الله لتحقيق ذلك هم وذرياتهم. فامتثل طريقتهم تكن من الناجين.
وعن الْبَراءِ بن عازبٍ رضيَ اللَّه عنهما قال : كَانَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذا أَوَى إلى فِرَاشِهِ نَامَ عَلى شِقَّهِ الأَيمنِ ، ثُمَّ قال : « اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إليْكَ ، وَوجَّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ ، وفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ ، وَأَلجَأْتُ ظهْري إلَيْكَ ، رَغْبةً وَرهْبَةً إلَيْكَ ، لا مَلْجأ ولا مَنْجى مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكتَابكَ الذي أَنْزلتَ ، وَنَبيِّكَ الذي أَرْسَلْتَ ». وهو دعاء النوم [رواه البخاري]
بل إن زيد بن عَمْرِو بن نفيل وهو من حنفاء الجاهلية وهو عرف ربه وعبده قبل البعثة والناس في جاهلية وعماية وضلال، بعد رحلة بحث طويلة عن دين الحق. وهو ممن شهد لهم رسول الله بالجنة فعن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال في زيد بن عمرٍو: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَرَجَتَيْنِ» [حديثٌ حسَّنه الألباني في «السلسلة الصحيحة» ].
وهو ممن أسلم لله وحده فنجا. وقد قال:
وأما الثانية وهي (شايلاه بيه) أو (شايلاه آرجال البلاد) وهذه الكلمة (شايلاه) كلمة غريبة قال بعض أهل العلم أن معناها (شاء الله به) أي: شاي: هي شاء قلبت همزتها ياء. اللاه: هي الله وفي الغالب يزيدونها (به) فتصير (شايلاه به). وقيل غير ذلك. ولكن المتيقن أنها كلمة تعظيم واستسلام وانقياد لرجال البلاد وهم الأولياء الصالحون (زعموا). وهذا الاعتقاد أن الأولياء يحفظون البلاد والعباد أو أنهم يجلبون النفع أو يدفعون الضر شرك والله المستعان وكذلك الاستسلام والانقياد لهم والخوف منهم كل ذلك شرك بالله . لأن هذه عبادات لا يجوز صرفها لغير الله تعالى. فلا يحفظ البلاد والعباد ولا ينفع ولا يضر ولا يستسلم ولا يُنقاد ولا يُخاف ولا يُدعى ولا يُرجى إلا الله سبحانه وتعالى ولا يُستغاث ولا يُستعان ولا يُلتجأ إلا بالله عز وجل. وقولهم (شايلاه) قرين لقولهم (مسلمين ومكتفين) وهو أيضا شرك والله المستعان. لهذا فهذا القول شنيع . فالله المستعان.
وهاتان الكلمتان تنتشران في الجنوب انتشارا واسعا. نسأل الله السلامة والعافية
* القين: هو الحداد
(قصة زيد بن عمرو بن نفيل نقلتها من موقع العلامة فركوس بتصرف يسير وتقديم وتأخير غير مخلين)
أبو عاصم مصطفى بن محمد السّلمي
تبلبـــــــالة يوم الخميس 17 شعبان 1439 هـ
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 03 May 2018 الساعة 10:48 PM